التقارير

فلسطيني بلا هوية

يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة بين 40-50 ألف إنسان لا يحملون بطاقات هوية تعترف بها إسرائيل، لأسباب مختلفة، ولا يتمتعون بمكانة أيًا كانت في أيّ دولة أخرى. وكما سنوضح فيما يلي، فإنّ هذا الواقع نشأ نتيجة لسياسة إسرائيل، وهي تتحمل المسؤولية عن تغيير هذا الواقع.
في إطار اتفاقية أوسلو نُقلت إلى السلطة الفلسطينية صلاحيات إدارة السجلّ السكانيّ في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقرّر في الاتفاقيات أن تسيطر السلطة على السجلّ السكاني وأن تديره، وأن تُنقل إليها صلاحيات إصدار بطاقات هوية وتصاريح الزيارة وتسجيل الأطفال الذين وُلدوا في الخارج حتى بلوغهم 16 عامًا، شريطة أن يكون أحد الوالدين مسجلا كأحد سكان المناطق المحتلة. ولكن، تقرر في الاتفاقيات أيضًا أنّ على الجانب الفلسطيني إخبار إسرائيل عن كل تغيير يجريه في السجلّ، كما عليه أيضًا الحصول على تصديقها من أجل منح الإقامة لأزواج وأولاد السكان الفلسطينيين في إطار إجراءات لمّ الشمل، بالإضافة لإصدار تصاريح زيارة للمناطق المحتلة.
في العام 2000 جمّدت إسرائيل عملية تسجيل المستجدات والتغييرات في نسخة السجلّ السكانيّ الذي لديها، ومن ذلك الوقت لا تعترف بالتغييرات التي تجريها السلطة الفلسطينية. واليوم، تسمح للسلطة بتسجيل الولادات والوفيات فقط، وباستبدال البطاقات البالية. ونتيجة لذلك، لا تملك السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو حكومة حماس في قطاع غزة أيّ إمكانية لإصدار بطاقات هوية للسكان معدومي المكانة القانونية وتصديق طلبات لمّ الشمل.
أسباب غياب مكانة إقامة،
في حزيران 1967 احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وأعلنت عنهما كمناطقَ مغلقة. وفي شهريْ آب وأيلول 1967 أجرى الجيش الإسرائيليّ إحصاءً سكّانيًا في الضفة والقطاع. وقد استخدمت السّلطات الإسرائيلية هذا التعداد كأساس للسجلّ السكانيّ الفلسطينيّ. وقد بلغ عدد سكان المناطق المحتلة، كما ورد في التعداد السكانيّ عام 1967، قرابة 954898 نسمة. أمّا الفلسطينيين الذين لم يكونوا حاضرين في المناطق المحتلة في تلك الفترة ولم يُسجّلوا في التعداد السكانيّ، فقد شملوا قرابة 390 ألف لاجئ فلسطينيّ، قرابة 50 ألفًا منهم من قطاع غزة بعضهم فرّ من المناطق المحتلة أثناء الحرب وبعضهم طردته إسرائيل منها. كما غاب عن الإحصاء السكّانيّ فلسطينيون مكثوا في تلك الفترة خارج البلاد لأغراض الدراسة أو العمل أو لأيّ سبب آخر. وقد خسر كل هؤلاء مكانتهم كسكان المناطق المحتلة. أما اللاجئون الذي وصلوا من الضفة والقطاع إلى الأردن ومصر فقد حصلوا في هاتين الدولتين على وثائق سفر استخدموها كبديل لجوازات السفر، وطُلب منهم تجديدها مرة كل بضعة سنوات.
وقد سحب الجيش الإسرائيلي منذ العام 1967 وحتى تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، هوية 108878 فلسطينيًا من الضفة الغربية وقطاع غزة، لأحد السببيْن التالييْن (أو كليهما):
كان في الخارج لفترة سبع سنوات أو أكثر، لأغراض الدراسة أو العمل أو أيّ سبب آخر. ويُشمل في هذه المجموعة آلاف الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى دول الخليج لغرض العمل. وفي أعقاب حرب الخليج الأولى، بين السنتين 1990-1991، فرّ من الكويت قرابة 40,000 فلسطيني من مواليد المناطق المحتلة. وعندما طلبوا العودة إلى بيوتهم اكتشف الكثيرون أنهم فقدوا مكانتهم كمقيمين في المناطق المحتلة لأنهم سكنوا أكثر من سبع سنوات خارج البلاد.
عدم المثول في واحد من التعداديْن السكانييْن اللذيْن أجراهما الجيش في قطاع غزة بين السنوات 1981 و1988. ووفقًا للمعطيات فإنّ 54603 فلسطينيًا شُطبوا من السجلّ السكانيّ لعدم مثولهم أثناء التعداد السكانيّ الذي جرى عام 1981، وشُطب 7249 فلسطينيًا آخر لعدم مثولهم أثناء التعداد السكانيّ الذي أُجريَ عام 1988. كما أنّ قسمًا من هؤلاء الأشخاص لم يمتثلوا أثناء التعداد السكانيّ لوجودهم في الخارج أثناء إجراء التعداديْن، إلا أنّ بعضهم كان موجودًا في القطاع ولم يمتثلوا لأسباب أخرى: الخوف النابع من تعريفهم كـ “مطلوبين” في السابق، وكلفة الرسوم التي فُرضت على تجديد بطاقات الهوية، وعدم معرفة وجوب الامتثال وتجديد البطاقة. ومن المعروف أنّ ثمة سكانًا في الضفة الغربية وقطاع غزة شُطبوا من السجلّ السكانيّ إلا أنهم يواصلون السكن، من دون مكانة رسمية.
رفض تسجيل الأطفال،
تقوم إسرائيل بتسجيل الأطفال الذين يُولدون في الضفة الغربية وقطاع غزة في السجلّ السكانيّ الفلسطينيّ. وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى كان بالإمكان تسجيل الأطفال الذين لم يُسجَّلوا فور ولادتهم من دون إجراء خاصّ وحتى بلوغهم سن السادسة عشرة. وقد كان بالإمكان تسجيل الأطفال المولودين في الخارج حتى سن السادسة عشرة شريطة أن يكون أحد الوالديْن مُسجّلاً كمُقيم. في نهاية عام 1987، وبعد اندلاع الانتفاضة الأولى، قرّرت الإدارة المدنية أنّ الأطفال دون سن السادسة عشرة والمولودين في المناطق المحتلة سيُسجّلون فقط في حال كانت والدتهم تتمتع بمكانة مقيمة، وأنّ الأطفال المولودين في الخارج لن يُسجّلوا بعد بلوغهم سن الخامسة، بغضّ النظر عن مكانة الإقامة لدى الوالدين.
في العام 1995 تقرّر في اتفاقية “أوسلو 2” أنّه يحقّ للجانب الفلسطينيّ أن يسجل في السجلّ السكانيّ الأطفال المولودين في الخارج حتى بلوغهم سن السادسة عشرة فقط، شريطة أن يكون أحد الوالدين مُسجّلاً كمُقيم في المناطق المحتلة. في أعقاب هذه القيود، ثمة أطفال وبالغون وُلدوا في المناطق المحتلة لوالديْن معدوميْ المكانة أو أنهم وُلدوا في الخارج لوالديْن مُسجّلين كسكان، لكنهما لم يُسجلا حتى سن الخامسة، ولذلك ظلوا بلا مكانة برغم عودتهم إلى الضفة الغربية قطاع غزة.
رفض المصادقة على طلبات لمّ شمل العائلات وتصاريح الزيارة،
منذ إجراء التعداد السّكانيّ عام 1967، والذي تأسّس عليه السجلّ السكانيّ الفلسطينيّ، فإنّ الطريقة الوحيدة لإضافة أشخاص إلى السجلّ، عدا عن تسجيل الأطفال، كانت تتمثل في إجراء لمّ شمل العائلات. وفي إطار هذا الإجراء قدّم سكان المناطق طلبًا للمّ شمل العائلات باسم أقرباء من الدرجة الأولى يعيشون خارج المناطق المحتلة. وقد قُدّمت غالبية هذه الطلبات عبر سكان المناطق المحتلة لصالح الأزواج أو الزوجات الذين وُلدوا في الشتات الفلسطينيّ لعائلات لاجئة. كما قدّم سكان المناطق المحتلة طلبات أخرى لصالح أقرباء كانوا يعيشون لفترات معيّنة في الخارج وفقدوا مكانتهم في المناطق المحتلة، أو أنهم لم يكونوا يتمتعون بمثل هذه المكانة أصلاً. وأثناء انتظار تصديق الطلب لم يكن بوسع الزوجيْن والأقرباء الآخرين أن يلتقوا ببعضهم البعض في المناطق المحتلة إلا بواسطة تصاريح زيارة محدودة زمنيًا.
مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، جمّدت إسرائيل عملية تسجيل المستجدات والتغييرات في السجلّ السكانيّ الفلسطينيّ، باستثناء تسجيل الأطفال دون سن السادسة عشرة والذين وُلدوا لوالد(ة) مُسجّل كمقيم، وفي حالات استثنائية. ومن وقتها، ليس هناك إجراء منظم لتسوية مكانة الأزواج والزوجات وأقرباء سكان المناطق المحتلة. وقد جمّدت إسرائيل أيضًا إصدار تصاريح الزيارة إلى المناطق المحتلة، باستثناء الحالات التي تعرّفها “إنسانية”، ولذلك فإنّ الأقرباء في خارج البلاد يفتقرون لأيّ إمكانية قانونية لزيارة هذه المناطق.
وبعد تجميد إجراءات لم الشمل، قرّر عشرات آلاف الفلسطينيين الذين مكثوا في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار تصاريح الزيارة، البقاء في هذه المناطق مع أزواجهنّ/زوجاتهم، رغم انتهاء سريان تصاريح الزيارة التي يملكونها، خشية أن يغادروا بلا عودة. وهم يواصلون العيش اليوم في المناطق المحتلة من دون أيّ مكانة قانونية.
الارهاصات والمطلوب دوليًا،
هذا الوضع جعل من المواطن الفلسطيني غريب في وطنه منقوص الحقوق، لا يستطيع مباشرة حياته الطبيعية بأدنى مقوماتها، فلا يحق له تسجيل زوجته ولا يحق له تسجيل أطفاله حال انجابهم، مما يترتب عليه عدم القدرة على الحاقهم بالمدارس او ادخالهم للمشافي للعلاج كما يتعرضون للترحيل حال تم اعتقالهم من قبل سلطات الاحتلال، كما أنهم لا يمتلكون أي وثائق للالتحاق بالجمعات والعمل، هذا يتطلب تدخل دولي للضغط على سلطات الاحتلال لمعالجة هذه الملفات العالقة، فهذا حق طبيعي وليس مكتسب وسلطات الاحتلال لا يوجد لها أي مكانه قانونية أو حق تغيير الوضع القانوني في المناطق المحتلة حسب القانون الدولي الراعي لهذا الشأن.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى