إسرائيل تمارس خطة منهجية للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية
عشرات التجمّعات السكّانية التي يسكن فيها آلاف الفلسطينيين تنتشر في منطقة تبلغ مساحتها نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، تلك التي جرى تصنيفها كمناطق C ويعتاش سكّانها على الزراعة ورعي الأغنام. منذ عشرات السنين تطبّق السلطات الإسرائيلية سياسة هدفها تهجير هذه التجمّعات عبْر خلق واقع معيشيّ يصعب تحمّله إلى حدّ اليأس منه، ومن ثمّ الدفع بهؤلاء الفلسطينيين إلى الرحيل عن منازلهم وكأنّ الامر بمحض إرادتهم.
وتشمل هذه السياسة منع بناء المباني السكنيّة أو المباني العامّة في هذه التجمّعات ورفض وصلها بالمرافق الأساسية كالكهرباء والماء والامتناع عن شقّ طرق تسهّل الوصول إليها. وعندما لا يجد السكّان مفرًّا ويبنون دون ترخيص تُصدر الإدارة المدنيّة أوامر الهدم بحقّ منشآتهم. في بعض الحالات يجري تنفيذ تلك الأوامر ولكن في جميع الأحوال يبقى تهديد الهدم شبحًا يحوم طيلة الوقت فوق رؤوس السكّان. في بعض التجمّعات هناك أسَر هدمت الإدارة المدنيّة منزلها عدّة مرّات. إضافة إلى ذلك فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم جميع المرافق التي يُنشئها السكّان بأنفسهم – كالألواح الشمسيّة التي تزوّدهم بالكهرباء وآبار المياه وطرقًا تمّ شقّها؛ كما تصادر الصهاريج وتقطع الأنابيب التي تمدّ السكّان بالمياه.
وتركّز قوات الاحتلال الإسرائيلية عمليات التهجير في ثلاث مناطق في الضفة الغربية:
- جنوب جبال الخليل: في هذه المنطقة نحو ألف مواطن؛ نصفهم أطفال وفِتيَة يعيشون تحت تهديد التهجير من منازلهم وهدم قراهم. لقد سبق أنْ رحّل الجيش سكّانًا من هذه المنطقة في نهاية عام 1999 بحجّة إعلانها “منطقة إطلاق نار” منذ الثمانينيّات؛ ذلك رغم أنّ إسرائيل – كدولة احتلال – لا يحقّ لها إعلان مناطق كهذه داخل الأرض المحتلّة. في أعقاب التماسات رفعها السكّان إلى محكمة العدل العليا سُمح لهم بالعودة مؤقتًا إلى منازلهم إلى حين البتّ في الالتماسات وإصدار المحكمة قرارها؛ لكنّ شبح الترحيل ما زال باقيًا وما زالت أمام المحكمة التماسات في هذا الشأن لم يصدر الحُكم فيها بعد.
- منطقة “معليه أدوميم”: في فترة الثمانينات والتسعينيات رحّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مئات البدو من عشيرة الجهالين عن مناطق سكناهم ومعيشتهم وذلك بهدف إقامة مستوطنة “معليه أدوميم”، ثمّ بهدف توسيعها جرى نقل السكّان إلى موقع ثابت أقيم لأجلهم في جوار مزبلة أبو ديس، وحتّى بعد ذلك الترحيل ما زال نحو 3000فلسطيني آخرين من سكّان المنطقة مهدّدين بالترحيل، من هؤلاء 1400فلسطيني يسكنون في منطقة جرى تعريفها باسم 1E، جعلتها إسرائيل ضمن مسطّح نفوذ مستوطنة معليه أدوميم لتنشئ تواصلاً عمرانيًّا بين المستوطنة ومدينة القدس.
- منطقة الأغوار: هنالك ما يقارب 2700 مواطن يسكنون في نحو عشرين تجمّع رعوي في الأغوار، في أراضٍ أو على أطراف أراضٍ أعلنها الجيش مناطقَ إطلاق نار، تسعى قوات الاحتلال بوسائل مختلفة إلى منع هؤلاء الفلسطينيين من مواصلة السّكن في المنطقة ومن ضمن تلك الوسائل هدم منازلهم مرارًا وتكرارًا وإخلاؤهم المتكرّر لفترات قصير بحجّة التدريبات العسكريّة ومصادرة الصهاريج التي تزوّدهم بالمياه.
ونرى في منظمتنا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسعى من وراء هذه الممارسات المخالفة للقانون إلى تحقيق غاية سياسيّة صرّحت بها جهات رسميّة في مناسبات مختلفة وهي استغلال الوقت لفرض وقائع ثابتة على الأرض والسيطرة على تلك المناطق؛ كلّ هذا بهدف خلق ظروف تسهّل ضمّ هذه الأراضي إلى حدود دولة إسرائيل المقامة على أراضي فلسطين التاريخية والمعروفة بالأراضي المحتلة عام 1948م؛ في إطار تسوية مستقبلية؛ وحتى ذلك الحين تعمل إسرائيل على ضمّها فعليًّا. في هذه الأثناء وطيلة عشرات السنين حتى الآن تنتهك إسرائيل مرّة تلو المرّة حقوق الإنسان الخاصة بسكّان تلك التجمّعات بشكل منهجيّ وشامل وفظّ.
ونؤكد كمنظمة حقوقية أنَّ سياسة إسرائيل هذه تناقض أحكام القانون الإنساني الدولي الذي يحظر النقل القسريّ لسكّان محميّين؛ إلاّ إذا جرى الأمر لأجل ضمانة سلامتهم أو لأجل أغراض عسكرية ضروريّة؛ وهذان استثناءان لا برهان لهما في حالة هذه التجمّعات السكّانية. وحظر النقل القسريّ يسري ليس فقط على النقل باستخدام القوّة وإنّما أيضًا على حالات يغادر فيها الناس منازلهم دون إرادتهم الحرّة أو نتيجة لضغط تعرّضوا له هم وأسَرهم. من هنا فإنّ الرّحيل عن بلدة في أعقاب ظروف معيشيّة لا تُحتمَل تعمّدت السلطات فرضها، عبر هدم المنازل أو الحرمان من الكهرباء والماء وهذا على سبيل المثال يُعتبَر نقلاً قسريًّا وبالتالي محظورًا، مما يشكّل جريمة حرب على الضالعين في ارتكابها تحمّل المسؤولية عنها شخصيًّا.