استغلال الأراضي الفلسطينية المحتلة من قِبل إسرائيل وضمها
منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م على ما يزيد عن 80% من أراضي فلسطين القانونية، وهي تعمل جاهدة على ضم الأراضي وسلخها من المواطنين الفلسطينيين، فقبل هذا التاريخ لم يكن يمتلك اليهود اكثر من 8% تم شراؤها وتزييف أرواق ملكيتها في العهد الأخير للدولة العثمانية، وبعد ذلك عمدت لتهجير آلاف المواطنين الفلسطينيين عن طريق افتعال مجازر متعددة، مما أصاب المواطنين بالرعب ودفعهم إلى الهجرة إلى ما عُرف فيما بعد بالضفة الغربية، والأردن ومصر ولبنان وسوريا، تاركين خلفهم أراضيهم وما يملكون، وقدرت هذه الأراضي بـ80% من مساحة فلسطين الكلية.
ومنذ العام 1967، أي بعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية، عملت حكومات اسرائيل جاهدةً على بناء وتوسيع المستوطنات، سواء من حيث توسيع رقعتها او زيادة عدد سكانها. نتيجة هذه السياسة، يعيش اليوم حوالي نصف مليون مستوطن اسرائيلي يحملون الجنسية الاسرائيلية، في مستوطنات الضفة الغربية وشرقي القدس ولا يشمل المستوطنات في غلاف قطاع غزة، ويبلغ عدد المستوطنات التقريبي 150 مستوطنة وعشرات المعسكرات التي تقبع على مساحات شاسعة من الأرض.
في العقد الاول للاحتلال الإسرائيلي للضفة، عملت حكومات حزب العمل بموجب “خطة الون”، التي توصي ببناء مستوطنات في مناطق ذات “اهمية امنية” والتي فيها كثافة سكانية فلسطينية منخفضة، مثل غور الاردن، اجزاء من جبال الخليل، القدس وضواحيها. ومع اعتلاء حزب التكتل (الليكود) للحكم في عام 1977، بدأت الحكومة ببناء مستوطنات في جميع انحاء الضفة الغربية، خاصة في المناطق التي يتركز فيها الفلسطينيون، على قمم الجبال وفي المناطق الواقعة غربي خط رام الله-نابلس. هذه السياسة تنبع من دوافع امنية وايديولوجية معاً.
بناء المستوطنات في الضفة الغربية يعد خرق للقانون الدولي الانساني، الذي ينص على القوانين والنظم المتبعة في اوقات الحرب والاحتلال. ويعد خرقاً لحقوق الانسان المتعارف عليها بموجب القانون الدولي. القانون الدولي الانساني الذي يمنع الدولة المحتلة من نقل مواطنيها الى المناطق التي قامت باحتلالها (بند 49 لاتفاقية جينيف الرابعة). بالإضافة الى ذلك تنص انظمة لاهاي على منع الدولة المحتلة من اجراء تغيرات دائمة فى الاراضي المحتلة، باستثناء تغيرات ضرورية لحاجات عسكرية او لصالح السكان المحليين. بناء المستوطنات وإقامة المصانع والمنشآت العسكرية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية يمس بحقوق الفلسطينيين، المنصوص عليها في القانون الدولي فيما يخص حقوق الانسان. ومن بين الحقوق المنتهكة، الحق بتقرير المصير، حق المساواة، حق الملكية، الحق لمستوى لائق للحياة وحق حرية التنقل.
اعتمدت إسرائيل أساليب متعددة لضم الأراضي والاستيلاء عليها منها آلية قضائية ملتوية استولت من خلالها على ما يزيد عن %50 من مساحة الضفة الغربية، وهذا لبناء المستوطنات وتحضير احتياط في حالة ضرورة توسيعها. والاعلان عن الأراضي كأراضي دولة وتسجيلها على هذا الاساس، وهي الطريقة الأساسية للاستيلاء على الاراضي. هذا الاجراء بدأ اتباعه منذ العام 1979م واستند على تطبيق قانون الاراضي العثماني من عام 1858، الذي كان ساري المفعول عشية الاحتلال. طرق اخرى اتبعتها اسرائيل للاستيلاء على الاراضي، والتي تستند على اساس قضائي، هي طريقة اعلانها مناطق عسكرية، اعلان عنها ممتلكات متروكة، ومصادرة اراضي لاحتياجات جماهيرية. بالإضافة الى ذلك عمدت اسرائيل لمساعدة مستوطنين أفراد على شراء اراضي من مواطنين فلسطينيين متعاونين مع الاحتلال. والاستيلاء على الاراضي تم بمخالفة القوانين الاساسية لأي اجراء عادل. إذ في الكثير من الاحيان لم يعرف الفلسطينيون بأن اراضيهم قد تم تسجيلها على اسم الدولة، ولما عرفوا بذلك كان موعد تقديم الاعتراض متأخراً، بل وواجب الاثبات وقع دائماً على الفلسطينيين الذين يدعون بان الاراضي ملكاً لهم، ولو نجح صاحب الارض بإثبات ملكيته للأرض، في بعض الاحيان تسجل الارض باسم الدولة بادعاء ان هذه الارض قد تم تسليمها للمستوطنة “بحسن نية”.
كل هذه الطرق تصب في هدف واحد: هو ابتلاع الأرض والقضاء على الوجود الفلسطيني فيها. لذلك، فان الطريقة التي يتم بها نقل الملكية على الاراضي من الفلسطينيين الى الاسرائيليين ثانوية. اضافة الى ذلك، بما ان الهدف غير مشروع حسب القانون الدولي، اي بناء المستوطنات والمعسكرات، فان تحقيق هذا الهدف غير مشروع.
والقضاء الإسرائيلي بما فيه محكمة العدل العليا ساعدت على إيجاد آلية للإستيلاء على الاراضي، وساهمت بإيجاد نظام قانوني لهذه الاجراءات. في بادئ الامر قبلت محكمة العدل العليا ادعاء الدولة بأن الاحتياجات العسكرية الملحة وسمحت للدولة بمصادرة اراضي يمتلكها سكان فلسطينيون لإقامة هذه المستوطنات. ورفضت محكمة العدل العليا التدخل لمنع اجراء الاعلان عن الاراضي كأراضي دولة.
في منتصف العام 2021م وبسبب السياسات الإسرائيلية المتتالية أمسى أكثر من 75% من الضفة الغربية أراضِ مصادرة لصالح المستوطنات والمعسكرات وفق مركز الإحصاءات الفلسطيني، مما يعني أن الضفة الغربية بكاملها باتت تحت سيطرة جغرافية شبه كاملة للاحتلال، وفي ظل هذه المصادرات أصبحت التجمعات السكانية الفلسطينية تعيش في عزلة جغرافية وتقطيع أوصال جغرافي بين المدن والقرى والمخيمات، مما جعل الحياة بالغة الصعوبة على كافة المستويات.
هذا الوضع الغريب من نوعه عالمياً يتطلب جهود دولية وضمير عالمي للتحرك لوقفه ومن ثم انهاءه، وإلا قد نصبح امام حالة شبيهة بما حصل للهنود الحمر في الولايات المتحدة الامريكية وأمريكا الجنوبية.