الحدود الفلسطينية الإسرائيلية الأردنية، امتهان لحقوق الإنسان الفلسطيني
المعابر الدولية بمثابة صورة أولية عن الدولة وسلوكياتها في التعامل مع الزوار والمواطنين على حدٍ سواء، والحدود الدولية الفاصلة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن حدود يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي وينظم شؤونها بالتعاون مع الأردن والسلطة الفلسطينية.
والمسافة بين الجسر الفلسطيني والإسرائيلي والأردني كيلومتر لا غير، إلا أن تجاوزها يحتاج في بعض الأحيان ليوم كامل ينقص أو يزيد، فالمسافر عبر الجسر كمواطن فلسطيني بالضفة الغربية لا يوجد لديه بديل للتواصل مع العالم الخارجي سوى من خلال هذا الجسر ومن ثم السفر عبر مطار الملكة علياء الدولي في الأردن، والقلة القليلة يسمح لها بالمغادرة من خلال مطار بن غوريون الدولي (مطار إسرائيل الرسمي)، وهؤلاء عادة ما يكونون من رجال الأعمال ، والفئة الأخرى التي يسمح لها باستخدام مطار بن غوريون بالتنقل رجال السلطة الفلسطينية وأعضاء أجهزتها الأمنية لتمتعهم بعلاقات جيدة مع إسرائيل.
والسفر من خلال الجسر يعني تعرض المواطن الفلسطيني للتفتيش والمساءلة لثلاث مرات، تبتدئ بالجسر الفلسطيني للتسجيل ودفع رسوم المغادرة والاستفسار من قبل الأجهزة الأمنية حال كان المواطن سجين سابق لدى إسرائيل أو السلطة الفلسطينية، وبحال تم الموافقة على مغادرته يقوم بالانتظار بقاعة محددة لحين موافقة الطرف الإسرائيلي على استقباله بالجسر الإسرائيلي والذي يقوم عادة بتفتيشه عبر عدة نقاط قبل وصوله لقاعة الجسر الإسرائيلي وفي كثير من الأحيان قد يتعرض للتحقيق من قبل طواقم المخابرات الإسرائيلية المتواجدة على الجسر، والانتظار لساعات طوال، وقد يسمح له بالمغادرة وقد يتم إعادته للجسر الفلسطيني تحت حجج واهية، مما يعني خسارة هذا المواطن لوقته وماله، وفي حال كان قد حجز للسفر بالطائرات سيخسر كل تلك التكاليف، بالإضافة لإمكانية اعتقاله من قبل قوات الجيش الإسرائيلي ونقله للتحقيق في مراكز التحقيق في داخل إسرائيل وسجنه فيما بعد، بالإضافة إن كان المواطن طالب في احدى الجامعات الدولية فسيخسر حق انتسابه إليها، وينطبق الأمر على كثير من المرضى الذين يذهبون لتلقي العلاج بالخارج، وعادة ما يكون هؤلاء من أصحاب الأمراض الخطرة والمزمنة والتي تستدعي تقديم علاج سريع وطارئ وإلا قد يفقد حياته، وهذا ما حصل مع كثير من المواطنين الفلسطينيين. وحال تمكن المواطن الفلسطيني من مغادرة الجسر الإسرائيلي صوب الجسر الأردني، فسيتعرض لنفس الإجراءات التي تعرض لها بالجسرين السابقين، واعادته إلى الجسر الإسرائيلي مما يعني التحقيق معه من قبل الإسرائيليين ومعرفة السبب الذي تم إرجاعه من قبل الأردنيين، وكذلك الفلسطينيين فيما بعد.
هذه الدائرة الصعبة التي يتعرض لها المواطن الفلسطيني تكاد تكون شاملة لكل من يحمل الهوية الفلسطينية أو من كان أصله فلسطينياً ويقيم بالخارج، وفي كثير من الأحوال وعند قيام المواطن الفلسطيني الذي تم منعه من مغادرة الأراضي الفلسطينية عبر الجسر برفع قضايا أمام القضاء الإسرائيلي وحصوله على موافقة بالمغادرة يقوم الأمن الإسرائيلي بالتنسيق مع الأمن الأردني لإرجاعه عن جسر الأردن بحجة وجود مشاكل أمنية لهذا المواطن مع الأردن، وهذه الحجة غير صحيحة ولا يعتد بها، فالأمن الأردني لا يكترث بأي أمر قضائي والأمور تعود لديه لتقدير جهاز المخابرات العامة الأردني، الذي يتمتع قوية مع نظيره الإسرائيلي، وبهذه الحالة يقع المواطن الفلسطيني في مشكلة أكبر، فالخروج من الجسر الأردني بحاجة لمن يقوم بالتوسط له عند المخابرات الأردنية ودفع الرشوة في كثير من الأحيان لأحد الضباط للسماح لهذا المواطن بالمغادرة، حال كان ملفه الأمني يسمح بذلك وبموافقة شفوية من الجانب الإسرائيلي.
هذه الإجراءات جعلت من الضفة الغربية سجناً كبيراً للمواطنين لا يستطيع مغادرته إلا من امتثل ووافق شروط الأجهزة الأمنية للسلطات الثلاث، الإسرائيلية والأردنية والفلسطينية، وهذا عادة لا يتطابق مع الأغلبية العظمى من الموطنين الفلسطينيين، فالمواطن الفلسطيني يتم التعامل معه كإرهابي حتى يثبت العكس.
هذه التعقيدات والانتهاك الخطير لحقوق المواطن الفلسطيني تتطلب تحرك حقوقي دولي يضغط على السلطات الثلاث، لتبني إجراءات تليق بحقوق الإنسان ولا تنقص من كرامته، ونحن بدورنا ندعو تلك الدول أن تغير من سياسته تلك بما يضمن حفظ حق المواطن بالتنقل والسفر، وهذا الحق مكفول أمميا وإنسانيا وعبر الشرعة الدولية، كما نطلب من المنظمات الحقوقية الدولية والتي تشكِّل لنا امتداداً في دولها أن تعمل على الضغط على الدول المتواجدة بها لتوفير معاملة إنسانية لائقة للمواطن الفلسطيني أثناء مغادرته لوطنه صوب العالم الخارجي.