السعودية: أتيحوا الوصول إلى الناشطات المحتجزات
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على السعودية السماح لمراقبين دوليين مستقلين بالوصول فورا إلى ناشطات حقوق المرأة المحتجزات منذ مايو/أيار 2018 للتأكد من سلامتهن وعافيتهن.
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أنكرت وزارة الإعلام السعودية أدلة نشرتها هيومن رايتس ووتش و”منظمة العفو الدولية” عن تعذيب السلطات السعودية لـ3 ناشطات معتقلات على الأقل والتحرش جنسيا بهن والاعتداء عليهن. في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، تلقت هيومن رايتس ووتش تقريرا من مصدر مطّلع ذكر تعذيب السلطات السعودية لناشطة رابعة. قالت مصادر إن تعذيب الناشطات السعوديات قد يكون مستمرا. على السعودية التحقيق فورا وبطريقة موثوقة في ادعاءات سوء المعاملة أثناء الاحتجاز، ومحاسبة أي متورط في التعذيب وإساءة معاملة المحتجزات، وتوفير العدالة للناشطات اللواتي أُسيئت معاملتهن خلال الاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة.
قال مايكل بَيْج، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لا يُعتبر نفي الحكومة لتعذيبها الناشطات كافيا، وسط أكاذيبها المستمرة حول دور مسؤولين كبار في مقتل جمال خاشقجي. ما لم يتمكن المراقبون المستقلون من تأكيد سلامة الناشطات، تدعو جميع الأسباب إلى الاعتقاد بأن السلطات السعودية عاملتهن بقسوة لا توصف”.
أعربت المصادر التي نقلت ادعاءات التعذيب عن قلقها من تعرّضها والناشطات للانتقام إذا حُددت هويات الناشطات علنا. كما نشرت وسائل إعلام، بما فيها “واشنطن بوست” و”وول ستريت جورنال”، تقارير عن مزاعم التعذيب.
على السلطات السعودية السماح للنساء المحتجزات بالتواصل مع المحامين وأفراد أسرهن من دون قيود، وإطلاق سراح جميع المسجونين لمجرّد دعوتهم السلمية للإصلاح.
أشار المصدر الجديد إلى أن السلطات عذبت الناشطة الرابعة بالصدمات الكهربائية، وقيّدتها إلى سرير حديدي وجلدتها “بالعقال”، الحبل الأسود الذي يضعه الرجال العرب على رأسهم لتثبيت الشماغ في مكانه في الزي التقليدي. قال المصدر إن الناشطة الرابعة تعرضت أيضا للتحرش الجنسي.
تقبع كل الناشطات في سجن المباحث العامة في ذهبان شمال جدة، لكن قالت مصادر إن معظم التعذيب كان يجري في مركز احتجاز غير رسمي أطلقوا عليه اسم “فندق” قبل نقل النساء إلى ذهبان في أغسطس/آب. أشار المصدر الجديد إلى أن النساء يُؤخذن إلى غرفة تُدعى “غرفة ضيافة الضابط” للتعذيب، لكن موقعها غير معروف.
كما أخبر المصدر الجديد هيومن رايتس ووتش أن المسؤولين عن إساءة معاملة النساء هم من “الأمن السيبراني”، في إشارة محتملة إلى ضباط يعملون تحت سلطة مستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني، الذي عُزِل بمرسوم ملكي لضلوعه في مؤامرة مقتل خاشقجي. كان القحطاني، الذي عُرف بكونه منفّذ أوامر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يشغل منصب رئيس “مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي” ورئيس “اتحاد الأمن الإلكتروني والبرمجيات”. بحسب تقارير إعلامية، وجّه القحطاني حملات على الإنترنت ضد المنتقدين السعوديين، واضعا “قائمة سوداء” بالمنتقدين المستهدفين. يُعرف في الدوائر الدبلوماسية بإسم “أمير الظلام”.
بحسب عدّة مصادر مطلعة، عذّب المحققون السعوديون النساء خلال مراحل الاستجواب الأولى، وبشكل أساسي ما بين مايو/أيار وأغسطس/آب 2018. تضمن التعذيب الصدمات الكهربائية والجَلد.
تعرضت 3 نساء على الأقل للتحرش والاعتداء الجنسيين، بما في ذلك العناق القسري والتقبيل والتعرض للإيحاءات الجنسية. أفاد أحد المصادر أنّ إحدى الناشطات المحتجزات قالت إن أحد كبار المسؤولين حضر عدة جلسات تعذيب لها مرتديا قناعا. قال لها أثناء استجوابها، بحسب المصدر: “جلسة الصدمات الكهربائية التالية ستكون في رأسك”، وهددها باغتصابها، لكنه لم ينفذ التهديد. سألها أيضا عما إذا كانت تفضل عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة “لخيانتها العظمى”.
قال مصدر إن المحققين حاولوا ترويع إحدى المحتجزات وترهيبها بالادعاء أنهم قتلوا إحدى زميلاتها المحتجزات. قالت المصادر إن إحدى المحتجزات على الأقلّ حاولت الانتحار عدة مرات.
أضافت المصادر أنه في أعقاب التحقيقات، شوهدت علامات تدل على تعذيب على أجساد النساء، مثل صعوبة المشي وارتعاش لاإرادي في اليدين وكدمات على الأفخاذ وبقع حمراء وخدوش على وجوههن وأعناقهن.
قالت المصادر إن أعضاء “لجنة حقوق الإنسان” الحكومية في السعودية زاروا النساء المحتجزات في ذهبان. أفادت إحداهنّ للجنة أنّ النساء عُذبّن في موقع آخر، وباحت للّجنة بجميع تفاصيل معاملتهن. أشارت اللجنة بأنها لا تعرف بشأن الموقع الآخر. قال مصدر لـ هيومن رايتس ووتش إن ناشطة أخرى أخبرت ممثل اللجنة بكل ما حدث لها وسألت عما إذا كان بإمكانهم حمايتها، لكن أجاب الممثل بأنّ اللجنة عاجزة عن ذلك.
بدأت حملة القمع الأخيرة ضد ناشطات حقوق المرأة قبل أسابيع من رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة الذي طال انتظاره في 24 يونيو/حزيران، وهو الحظر الذي شنت عديد من الناشطات المحتجزات حملات ضده. في حين أُطلق سراح بعضهن، لا تزال أخريات رهن الاعتقال من دون تهمة. منهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان ونوف عبد العزيز ومياء الزهراني وهتون الفاسي، وجميعهن ناشطات في حقوق المرأة، كما احتُجز أنصار الحملة، بمَن فيهم المحامي إبراهيم المديميغ، ورجل الأعمال الخيرية عبد العزيز المشعل، والناشط الاجتماعي محمد الربيعة.
اتهمت السلطات عددا من المعتقلين بارتكاب جرائم خطيرة، بما فيها “التواصل المشبوه مع أطراف أجنبية”. نفذت وسائل الإعلام الموالية للحكومة حملة مقلقة ضدهم، واصفة إياهم بـ “الخونة”. نقلت صحيفة “عكاظ” السعودية أن 9 من هؤلاء المعتقلين سيُحالون إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أنشئت أصلا لمحاكمة المعتقلين بقضايا الإرهاب. إذا أدينوا، يمكن أن يواجهوا ما يصل إلى 20 سنة في السجن .
تعارضت الحملة الإعلامية العامة ضد النساء مع سياسة السعودية الراسخة في عدم نشر أسماء المشتبه فيهم جنائيّا في الاحتجاز السابق للمحاكمة. في الوقت نفسه، لم تذكر وسائل الإعلام الموالية للحكومة أسماء المعتقلين لتورطهم المزعوم في جريمة خاشقجي.
كانت الدكتورة الفاسي، الأكاديمية الشهيرة وأستاذة تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود، من أوائل النساء اللواتي حصلن على رخصة قيادة سعودية. اعتقلتها السلطات السعودية قبل أيام من رفع الحظر. منذ ذلك الحين، فُرض حظر سفر على العديد من ناشطات حقوق المرأة. في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، منحت “جمعية دراسات الشرق الأوسط لأمريكا الشمالية” الفاسي جائزتها للحرية الأكاديمية لعام 2018.
طالبت ناشطات حقوق المرأة السعوديات السلطات الحكومية المتعاقبة بإصلاح القوانين والسياسات التمييزية، وسعَيْن إلى تغيير المواقف المجتمعية. أجرت الحكومة مؤخرا إصلاحات محدودة، بما فيها السماح للنساء بدخول بعض المهن التي كانت ممنوعة عليهن في السابق، فضلا عن رفع الحظرعن القيادة. لكن، لا يزال نظام ولاية الرجل، الذي يُعتبر العائق الرئيسي أمام تفعيل حقوق المرأة، قائما.
بموجب هذا النظام، على المرأة الحصول على إذن من ولي أمرها – الأب أو الأخ أو الزوج أو حتى الابن – للسفر إلى الخارج، والحصول على جواز سفر، والتسجّل في التعليم العالي، والقدرة على الإجهاض المنقذ للحياة، والخروج من السجن أو المأوى، أو الزواج.
أدلت السلطات السعودية مرارا ببيانات كاذبة في إنكارها الادعاءات الخطيرة بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، كما في قضية قتل عناصر سعوديين للصحفي خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول في القنصلية السعودية. زعمت السلطات السعودية في البداية مثلا أن خاشقجي غادر القنصلية السعودية حيا، لكن أظهرت أدلة لاحقة أن العناصر السعودية كانت قد خططت مسبقا لمغادرة “بديل” القنصلية، في محاولة لإخفاء حقيقة تصفية العناصر لخاشقجي هناك.
قال بَيْج: “على قادة العالم التحرّك سريعا وفقا للأدلة الجديدة على التعذيب الوحشي للناشطات الحقوقيات في السعودية، ومطالبة بن سلمان وحكومته علنا بالإفراج عن جميع النشطاء السلميين فورا. على القادة أن يوضحوا أن الحكومة السعودية ستواجه المزيد من العزلة، ما لم يتم إطلاق سراح هؤلاء النشطاء الحقوقيين السلميين”.