السعودية تعدل إجراءاتها القانونية لدفع الوافدين والعاملين غير السعوديين على المغادرة الطوعية.
دفع الارتفاع الكبير لرسوم الإقامة وغلاء المعيشة خلال السنوات الأخيرة في السعودية، آلاف المقيمين الوافدين من عدة دول عربية، إلى مغادرة البلاد، إمّا للرجوع إلى بلدانهم، وإمّا للبحث عن دول أخرى تقدم فرصاً وظروفاً معيشية أفضل؛ بعدما كانت المملكة العربية السعودية من أُولى دول الخليج استقبالاً للعمالة من عدة دول عربية وأجنبية، أصبحت اليوم طاردة للكثيرين منهم، بسبب الارتفاع الجنوني لرسوم وتكاليف الإقامة على الوافدين والمرافقين لهم، إضافة إلى فرض العديد من القيود، وغلاء المعيشة الذي زادت حدتَه جائحةُ كورون،ا وسجّلَت الجهات الرسمية السعودية، وفقاً لذلك، تراجعاً كبيراً في عدد العاملين من غير السعوديين، خلال السنوات الأخيرة، تزامناً مع بدء التطبيق العملي للقرارات والإجراءات الجديدة، التي يعدّها كثيرون مجحفة وتعجيزية. وبينما توصد الأبواب السعودية تدريجياً أمام الوافدين الجدد، الذين يعايش أغلبهم ظروفاً صعبة في بلدانهم، يبحث اليوم كثيرون عن وجهات ومَهاجر جديدة وملائمة، تضمن لهم حياة أفضل.
وفرضت السعودية رسومًا باهظة جدًا لدفع المقيمين للمغادرة بصورة غير مباشرة من أراضيها، بعد أن ناهز عدد المقيمين الوافدين إلى المملكة العربية السعودية من عدة دول عربية وأجنبية 12 مليون وافد، وأكّدَت الإحصائيات الرسمية الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في العمالة الأجنبية، خلال الفترة الأخيرة، بسبب بدء تطبيق زيادة رسوم الإقامة على العاملين والمرافقين لهم. وأشار خبراء اقتصاديون إلى أن العدد الحقيقي لمغادري الأراضي السعودية على خلفية هذه القرارات قد تجاوز منذ سنة 2020 حدود 3 ملايين عامل أجنبي، ولا تزال هذه الأعداد قابلة للارتفاع، في ظلّ تواصل الرفع المستمر من قيمة الرسوم، وسنّ مزيد من القيود الصارمة. وتشير المصادر الرسمية إلى أنه في عام2019 فُرضَت رسوم سنوية على العامل الأجنبي تزيد قيمتها على 160 دولاراً سنوياً، إضافة إلى نصف المبلغ تقريباً عن كل مرافق من أفراد العائلة. وإذ يتقاضى أغلب الوافدين راتباً شهرياً يقلّ عن 1000 دولار، تصبح هذه الرسوم باهظة جداً. وتواصلت هذه الرسوم في الارتفاع حتى الأشهر الماضية من السنة الحالية 2021، مع بعض التفاوت في قيمتها من عامل أجنبي إلى آخر، وحسب الوظيفة التي يشغلها والمؤسسة التي يتبعها. إذ أعلنت وزارة العمل السعودي مؤخراً رفع رسوم الإقامة لبعض المهن لتبلغ 6200 ريال سعودي سنوياً، أي ما يقارب 1653 دولار سنوياً، ويتعلق ذلك بالعاملين في المنشآت الخاصة، فيما تصل رسوم تجديد الإقامة لبعض المهن الأخرى إلى 12 ألف ريال سعودي سنوياً، أي نحو 3200 دولار سنوياً، ويجاوز بعضها 14 ألف ريال سعودي، بالإضافة إلى الرسوم المترتبة على المرافقين من أفراد العائلة. كما أجرت وزارة العمل بعض التعديلات على قانون تجديد الإقامة في السعودية، وكان من بين أهمّ هذه التعديلات تقليص مدة التأشيرة من 6 سنوات إلى 4 سنوات، إضافة إلى سَنّ عدة عقوبات على جميع الوافدين والمقيمين الذين لم يجدّدوا إقاماتهم، وبدأ تنفيذ هذه القرارات منذ عام 2019
. ويرى خبراء اقتصاديون أن عام 2020 كان “السنة السوداء” للعاملين الأجانب بالسعودية، إذ اضطُرّ فيه كثير منهم إلى مغادرة البلاد، بسبب خسارة وظائفهم نتيجة التداعيات الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا، وفاقم سوءَ الأوضاع غلاءُ المعيشةو البحث عن وجهة أخرى على الرغم من أن هجرة العمالة الأجنبية من السعودية سبّبت فراغاً في عديد من الوظائف التي لم تستطع السعودية تعويضها بكفاءة سعودية، وأدت بالتالي إلى انكماش اقتصادي كشفت عنه لاحقاً عدة مصادر، فإن السعودية لا تزال تمضي قدماً في هذه الإجراءات التي تندرج في إطار المخطط الذي رسمته منذ عام 2017 “رؤية 2030” بتوجيه وليّ العهد محمد بن سلمان، لسَعْوَدة سوق العمل وتقليص نسبة البطالة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه السلطات والجهات الرسمية لتوفير أكثر من 7 ملايين وظيفة للشباب السعودي، يصبح اليوم العاملون الأجانب مهدَّدين بخسارة وظائفهم أو بمواجهة قرارات تعجيزية تفاقم متاعبهم المعيشية. ويشير خبراء اقتصاديون في السياق ذاته، إلى أن كثيراً من المستثمرين وأصحاب الأموال اضطُروا إلى المغادرة إلى بعض البلدان الغربية أو إلى تركيا، حيث تُوفَّر لهم فرص أفضل للاستثمار، مقابل القيود المتزايدة باستمرار في السعودية. كما أن كثيراً من المستثمرين أصبح اليوم يتجنّب السوق السعودية، لتراجع أعداد العاملين من أصحاب الكفاءة فيها. وبينما بدأت السعودية التضييق على العمالة الأجنبية، فإنها في المقابل لم تهيئ بما يكفي الشبابَ السعودي وسوق العمل لسدّ فراغ العمال الأجانب، على حد تعبير خبراء ومحللين.
ونرى أن السعودية باتخاذها هذا المنحى من التضييق غير المباشر على الوافدين الذين أمضوا فيها سنوات أعمارهم في خدمة البلاد فيها مساس لحقوقهم وحقوق عائلاتهم، إذ ان معظمهم لا يمتلك فرصة عمل أخرى في بلده، والكثير منهم تجاوزت أعمارهم القدرة على البحث عن عمل جديد، وهذه القوانين تم تصميمها لإظهار الأمر بصورة قانونية وتنظيمية، على الرغم من أن الإجراءات المتخذة من خلالها تدل على عكس ذلك.