المجلس السيادي العسكري السوداني ينشر الخوف في أوساط السودانيين
في الوقت الذي ظن فيه السودانيون أن عهد القمع ولّى نهائيا، بدأ القمع يطفو من جديد على السطح، إذ ألقت الشرطة القبض على حوالي 100 شخص معظمهم من المعلمين، خلال مظاهرة خارج وزارة التربية والتعليم في بحري شمال الخرطوم. وقالت المعلمة خدة خالد شيب -وهي أم لـ 6 أطفال- إنهم أطلقوا الغاز المسيل للدموع، ولجأنا إلى المباني وتبعونا؛ وكانت في أيديهم سياط وأنابيب بلاستيكية، وكانوا يضربون الناس؛ وعندما وضعونا في الشاحنة وأمرونا بالجلوس على الأرض، كسرت ساق امرأة، وبدأت أخرى حامل تشعر بانقباضات، وقيل لي إنها أجهضت بعد ذلك.
إذن هذا هو واقع الحال بعد انقلاب البرهان والعودة إلى المربع الأول من الخوف وشعور المواطن السوداني بالضياع وفقدان الأمان، ومنذ الانقلاب قبل قرابة 3 أسابيع، سجن عشرات الأشخاص من قادة لجان المقاومة والوزراء وممثلي المجتمع المدني وأحزاب المعارضة، ولا يزال رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية، ممنوعًا من التحرك والاتصال.
وفي وقت سابق، أعلن البرهان عن مجلس سيادي جديد يكون الجهة المسؤولة عن قيادة المرحلة الانتقالية، واحتفظ لنفسه برئاسته، وأفسح المجال لقادة حركات التمرد السابق ممن وقعوا السلام مع الخرطوم في نهاية عام 2020، وأقال في المقابل 4 ممثلين مدنيين من قوى الحرية والتغيير، ذلك التحالف الكبير الذي تشكل عام 2019 لإسقاط الرئيس السابق عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، بعد 4 أشهر من الثورة الشعبية.
ويقول القيادي في نقابة المعلمين بالعاصمة عمر بابكر: “إنهم (العسكر) لم يضيعوا الوقت. في وزارة التربية والتعليم، أقالوا المدير محمد إبراهيم الذي كان نشطًا للغاية خلال الثورة، واستبدلوه بأحد أعمدة النظام القديم”.
وصرحت الباحثة خلود خير، المؤسسة المشاركة في مركز الأبحاث إنسايت إستراتيجي بارتنرز، إن “الكيزان” يعودون إلى النفوذ والمعارضة مكبوتة، والكيزان مصطلح يستخدم للإشارة إلى أعضاء وأنصار نظام الرئيس المعزول حسن البشير، وأضافت “يجب ألا ننسى أن البرهان كان جزءًا من هذا النظام، إنه يفتح الباب على مصراعيه لجماعة البشير، ويعيد الذين تم فصلهم وحتى اعتقالهم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم استعداد أي شخص آخر للعمل معه”.
وتقول المحامية والناشطة النسوية تهاني عباس -التي كانت مع العديد من النساء في الخطوط الأمامية خلال الثورة- “نحن جميعًا في خطر، قد يأتون ويأخذوننا واحدا تلو الآخر. خلال الثورة هاجم الجيش منزلي بحثا عني وأرسل لي رسائل تهديد. اضطررت إلى إرسال طفلي (4 سنوات) خارج الخرطوم إلى والدتي ليكون في مكان آمن، إنه نفس الوضع اليوم! بالطبع أنا خائفة طوال الوقت. لكن هل يمكننا التراجع الآن؟ لا، هذا غير ممكن”.
وتهيب منظمتنا بالمجلس العسكري التراجع عن الخطوات التي قام بها، والتي أدت إلى تآكل الحقوق والعودة إلى نظام حكم ديمقراطي قائم على خيارات الشعب والاحتكام إلى القانون، كما نطالب مؤسسات المجتمع المدني السوداني الالتفاف حول مطالب الشعب السوداني المتمثلة بالأمن وحقوق التمثيل النيابي لكافة شرائح المجتمع، ونحث المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات عملية للضغط على المجلس العسكري السيادي عدم قمع المعارضين والتنحي عن السلطة وتسليمها لحكومة تكنوقراط مؤقتة تتكفل تمهيد الأجواء لإجراء انتخابات تعيد من خلالها الحياة الديمقراطية للمجتمع السوداني.