تجيير القوانين لانتهاك حقوق الانسان؛ الإمارات أُنموذجاً.
دولة الإمارات العربية المتحدة دولة حديثة التأسيس نسبياً، نشأت من اندماج مجموعة من الإمارات المتفرقة وبمباركة من المملكة المتحدة راعية شؤون هذه الإمارات التي ارتبطت عضوياً بها منذ ما قبل التأسيس الحديث للدولة، فكانت القوانين السائدة هي بعض الأعراف العشائرية التي وضعتها قبائل آل نهيان والقبائل الموالية لها، بالإضافة لما يحكم فيه ويراه المفوض البريطاني المقيم في منطقة الخليج.هذه النشأة الغريبة للقوانين جعلت من النظم القانونية فيما بعد شديدة الغموض ولا تعطي تصور واضح عن كيفية إدارة البلاد والثروات النفطية المكتشفة ولا كيفية التصرف بعائداتها، فالمواطن الإماراتي يحيا حياة اقتصادية بما تجود عليه الدولة دون أن يكون له الحق بمعرفة كيف تنفق هذه الأموال ومن يتحصل على الجزء الأكبر منها.هذا الوضع ارتضاه كثير من المواطنين الإماراتيين كتفاهم ضمني بالتمتع ببعض الحقوق المادية دون التدخل في شؤون إدارة البلاد، لكن هناك مجموعة من المواطنين رفضت أن تكون رعايا بلا حقوق سياسية ومدنية، هذه الفئة حاولت تغيير الواقع القائم بواقع قائم على حق الانتخاب وبناء دستور مدني يوفر حياة سياسية واجتماعية تسودها العدالة القانونية. إلا أن هذا الامر لم يكن ليوافق توجهات الأُسر الحاكمة في الإمارات، فكانت تتعامل مع هذه المطالب بالحديد والنار وسياسة الاخفاء القسري، ولم تستثني هذه السياسة أحد سواء من المواطنين أو بعض الامراء الذين كانوا يدعون لتوفير مناخ سياسي وحريات تكفلها القوانين والأعراف الدولية.أدت هذه السياسات إلى لجوء العديد من المعارضين إلى دول أخرى لطلب الحماية وحفاظاً على حياتهم، ومن لم يحالفه حظه بالفرار من البلاد وجد نفسه مختفياً قسرياً أو سجيناً تحت أحد قصور حكام الإمارات، دون أن يعلم عنه أحد، والحالات كثيرة وأكثر مما يحصيه مقال.وفي ربيع عام 2011م ظن المطالبون بحقوق سياسية ومدنية في الإمارات العربية المتحدة أنهم على موعد مع تغييرات دراماتيكية على نسق ما يحدث من تحولات على مستوى الوطن العربي، فيما عرف بالربيع العربي، إلا أن هذا الربيع تحول إلى شتاء دامس لهؤلاء المواطنين، فقد تم التعامل معهم بعنف وقسوة وضمن قوانين صيغت بصورة متعمدة لتكون آداة قمع يظللها القانون وقد امتازت هذه القوانين بمجموعة من الصفات جعلت منها الآداة الطيعة لقمع المعارضين، ومن هذه السمات:ساوت الأنشطة السياسية السلمية مع التهديدات لأمن الدولة.- فرضت قيود شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات.- حظرت وحلّت المنظمات غير الحكومية المستقلة، وجماعات المعارضة السياسية.- أسكتت وسجنت مؤسسي المنظمات غير الحكومية المستقلة.هذه الأدوات جعلت من المواطنين المطالبين بحقوقهم إرهابيين ومهددين لأمن الدولة، وزاد الأمر سوءًا ظهور وباء كورونا المستجد الذي اتخذته الدولة آداة لقمع الحريات وتمرير كثير من قضايا قمع المعارضين والزج بهم في السجون.الوضع في الإمارات العربية المتحدة أسنده صمت دولي بسبب ما تشكّله الإمارات من ورقة اقتصادية يستفيد منها دول متنفذة كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا وغيرها من دول العالم الغربي، هذا يجب أن يتوقف فورًا وعدم السماح للإمارات بقمع المواطنين والسكوت عليها بسبب المصالح الاقتصادية التي تربطها بتلك الدول، ويقع على عاتق المجتمع الدولي محاكمة تلك الدول ومحاسبتها على تواطئها مع الإمارات العربية المتحدة وعدم التعامل معها كدولة فوق القانون على شاكلة التعامل مع إسرائيل، فهذا الأسلوب من الكيل بمكيالين سيجلب للمجتمع الدولي مزيدًا من التوتر والاحتقان والذي قد تدفع ثمنه في مراحل مقبلة تلك الدول ذاتها، كما حصل في قضية سوريا وتدفق مئات آلاف اللاجئين إلى أرضيها والتسبب بمشاكل اقتصادية واجتماعية لا حصر لها.