تسييس الوظيفة الحكومية والعامة في السلطة الفلسطينية
عملت حركة فتح ومنذ تأسيس السلطة الفلسطينية على اقصاء الآخر من العمل العام واقتصار ذلك على أعضاء حركة فتح وبعض الفصائل والتنظيمات الموالية لها، مما جعل من السلطة الفلسطينية صورة أخرى لها، وحوّلها إلى سلطة عقيمة ذات ايدولوجية حزبية لا خدمية إدارية.
تحت هذا الوضع، أمسى عدد كبير جداً من أبناء الشعب الفلسطيني منزوعي حق العمل العام دون جريمة تذكر؛ سوى عدم انتماؤهم لحركة فتح وهذا الأمر يخالف النصوص الدستورية والقانونية للسلطة ذاتها، فضلاً عن مخالفته لحقوق الإنسان والشرعة الدولية التي أكدت على حق المواطن بعمل كريم يضمن له حياة شريفة تبعده عن خط الفقر والعوز.
ولم تكتفِ بذلك بل ذهبت لأبعد من هذا خطوات بربط الوظيفة العامة بالموافقة الأمنية للمخابرات العامة وجهاز الامن الوقائي، فاشترطت للتقدم للوظيفة العامة الحصول على شهادة حسن سلوك من هذه الأجهزة التي ترفض اعطاؤها لمن لا ينتمي لحركة فتح؛ أو إن كان المُتقدم للوظيفة لديه انتماء معارض لفتح، وبعد حصول مطالبات وقضايا أمام القضاء الفلسطيني استبدلت السلطة الفلسطينية هذا الاجراء بإجراء التفافي تمثل بالسماح للجميع بالتقدم للوظيفة العامة، لكن بعد التقديم يتم رفع أسماء المتقدمين مباشرة من ديوان الموظفين إلى الأجهزة الأمنية والتي تكتفي بالتأشير على أسماء المتقدمين بعبارة: نوصي؛ حال كان المُتقدم مقرب من الأجهزة الأمنية وحركة فتح، ولا نوصي؛ حال كان المُتقدم معارضاً أو غير منتمي لحركة فتح.
هذا الوضع أوجد حالة احتقان عام نتيجة سريان البطالة بين آلاف الشباب الفلسطيني من أصحاب الكفاءات والذين سُرقت فرصهم نتيجة الآلية التي تتبعها السلطة الفلسطينية بالتوظيف.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالعمل الأهلي والأكاديمي أصبح رهين نفس الممارسات، فالوظيفة الاكاديمية بدل أن تعتمد على كفاءة المُتقدم؛ باتت تعتمد على رضى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي عادة ما ترتبط أجندتها الأمنية بإسرائيل؛ صاحبة الولاية الحقيقة على السلطة الفلسطينية؛ باعتبارها حكماً ذاتياً محدود الصلاحيات، يَتبع سياسية تل أبيب الخاصة.
عدا عن ذلك فإن الوظائف العليا بالسلطة الفلسطينية أمست رهينة التوريث الوظيفي لأبناء المسؤولين فيما بينهم، والامثلة على ذلك واضحة للعيان في كافة مراكز صُنع القرار العام بالسلطة الفلسطينية.
هذا الأمر يستوجب من الجميع الوقوف ضده، والعمل على تصحيح ميزان العدل الوظيفي، فهو من القضايا التي لها آثار اجتماعية خطيرة تساعد وتزيد من تفسخ النسيج المجتمعي وانهيار المجتمع.
ونطالب كمنظمة حقوقية دولية السلطة الفلسطينية بالكف عن هذه الإجراءات فعلاً لا قولاً؛ جوهراً لا مظهراً، فهي امام متطلبات دولية وحقوقية سابقة لجأت لإلغاء هذه الإجراءات لكن أبقت على ممارستها فعلاً بطرق ذكرنا بعضها آنفاً.