حق المرأة الأردنية في منح الجنسية لأطفالها
تلعب العوامل المحلية التقليدية والثقافية بخصوص منح المرأة الجنسية لأطفالها دورا أساسيا في المجتمع وفي كيفية تحديد اعتبار النساء ومعاملتهن،ولقد شهدت العقود الأخيرة في العالم العربي عموما” وفي المملكة الأردنية الهاشمية خصوصا” اهتماما متزايدا بقضايا المرأة وشكل وطبيعة مشاركتها في المجتمع، وانعكس هذا الاهتمام جليا على المستويين الرسمي والأهلي.
فقد حقق الأردن على المستوى المحلي تقدما” على صعيد سياسات تفعيل المساواة فيما يتعلق بحقوق المرأة وتمكينها في المجتمع بما ينسجم وتطورات حياتها وانخراطها المتزايد في قطاعات العمل والتعليم والسياسة.
شوط طويل
على الرغم من الأشواط الطويلة التي قطعتها المرأة على طريق أخذ الحقوق إلا أنها مازالت بعيدة عن المستوى الذي يضعها بمصاف العدل والإنصاف، حيث الكثير من الحقوق كانت مسلوبة من المرأة حتى في الدول المتمدنة. هناك العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي عنيت بالمرأة وعملت على إنصافها أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو), وهي الاتفاقية الوحيدة على مستوى العالم التي تعالج مجمل الحقوق المتعلقة بالمرأة.
هناك العديد من الدول، ومنها الأردن على سبيل المثال، انضمت إلى مواثيق دولية تفرض عليها المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق ، وعدم ممارسة أي تمييز سلبي ضد المرأة لمجرد كونها امرأة ، ومن الأمور التي يجب المساواة فيها بين الرجل والمرأة الحق بنقل الجنسية للأبناء ، إلا أن التشريعات الوطنية الأردنية لا زالت تنكر على المرأة حقها بنقل جنسيتها لأبنائها ، رغم الالتزامات الدولية التي تفرض على الأردن ذلك، مما يجعل التشريعات الوطنية الأردنية وعلى رأسها قانون الجنسية متناقضة مع التزامات الأردن الدولية .
حرمان النساء من الحق في منح الجنسية
وفقا “للحملة العالمية للمساواة في الحقوق”، هناك 27 بلدا, يقع تقريبا نصفها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, تحرم النساء من المساواة في الحق بتمرير الجنسية إلى أبنائهن. في حين نجحت ناشطات من دول عربية أخرى بتحقيق هذه الخطوة، كتونس والمغرب والجزائر وليبيا واليمن والإمارات والعراق، لم توفق الجهود الأردنية بتحقيق حلم المرأة بالحصول على نفس الحقوق التي تمنح للرجل الأردني المتزوج من أجنبية.
وعليه نرى أن قضية المساواة بين المرأة الأردنية وبين الرجل كمواطنين وكما نص الدستور قضية أساسية، حيث برزت العديد من المطالبات الداعية لترجمة هذه المساواة الدستورية في التشريعات والسياسات والممارسات التي تترك نظاما” تمييزيا” بين فئات المجتمع.
موقف الأردن
ففي الأردن، يعتبر الطفل المولود لأم أردنية وأب غير أردني غير مواطن في نظر الدولة في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يلزم الأردن بعدم التمييز ضد المرأة. إذ لا يسمح القانون الاردني الا للآباء بمنح الجنسية لأطفالهم ولا يسمح القانون للمرأة الأردنية حتى بمنح إقامة تلقائية طويلة الأجل لأطفالها.
وبحسب القانون الأردني : للأجنبية التي تتزوج أردنيا الحصول على الجنسية الأردنية بموافقة وزير الداخلية إذا أعلنت عن رغبتها خطيا وذلك وفقا لما يلي: أ- إذا انقضى على زواجها مدة ثلاث سنوات وكانت تحمل جنسية عربية، ب- إذا انقضى على زواجها مدة خمس سنوات وكانت تحمل جنسية دولة غير عربية ”، في حين لم يمنح هذا الحق للأردنية التي تتزوج من أجنبي أو عربي.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى نصوص أخرى حيث يحتفظ الولد القاصر الذي حصل والده الأردني على جنسية أجنبية بجنسيته الأردنية ، ولم يمنح هذا الحق للمرأة الأردنية التي حصلت على الجنسية الأجنبية. وبحسب وزارة الداخلية الأردنية هناك 355,000 طفل غير مواطن من النساء الأردنيات.
ويشار الى هؤلاء غير المواطنين في الأردن باسم “أبناء الأردنيات”، أو “أبناء النساء الأردنيات”، إلا أن حصولهم على الحقوق والخدمات الأساسية محدود للغاية . إذ تقيد السلطات حقوقهم في العمل والتملك، والحصول على التعليم العام والرعاية الصحية وحتى قدرتهم على الحصول على رخصة قيادة.
وروت امرأة أردنية متزوجة من فلسطيني معاناتها ومعاناة أبنائها الخمسة بسبب عدم حصولهم على الجنسية الأردنية وتقول إن أبناءها لا يملكون أية وثيقة إلا شهادات الميلاد، فزوجها غادر الأردن منذ عام 1993 مؤكدة أن السفارة الفلسطينية ترفض أيضا إعطاء أبنائها الجنسية لأنهم ولدوا خارج الأراضي الفلسطينية فأصبحوا بلا أية جنسية وبلا جوازات سفر وبلا وثائق.
وهناك ما نسبته 5.75 بالمائة من أبناء الأردنيات لا يحملون أي إثباتات رسمية إلا شهادة الميلاد. وبحسب مصادر رسمية أن الحجة الرئيسية للسياسيين ضد إلغاء هذه السياسة التمييزية هي الادعاء أن من شأن ذلك أن يقوض الجهود الرامية إلى ضمان إقامة الدولة الفلسطينية وأن يغير التوازن الديموغرافي للأردن كونه موطنا “لواحدة من أكبر جموع اللاجئين الفلسطينيين، وأن غالبية النساء الأردنيات المتزوجات من مواطنين أجانب متزوجات من رجال فلسطينيين”.
ومن المعلوم أن الأردن وقع على اتفاقية سيداو وتحفظ على البنود التي تمنح المرأة حقها في تمرير الجنسية لأبنائها مبررا” هذا التحفظ بحجة التوافق بين دول جامعة الدول العربية على حظر إعطاء الجنسية من أي دولة عربية للفلسطينيين حفاظا على هويتهم.
إلا أن حظر إعطاء هذا الحق ينطبق أيضا” على النساء المتزوجات من رجال أجانب غير فلسطينيين. وقد علت الأصوات من الجمعيات الحقوقية والمنظمات الدولية الداعمة لحقوق المرأة من بينها حملة ” أمي أردنية وجنسيتها حق لي” كما أطلق ناشطون في الفترة الأخيرة ائتلافا بعنوان “جنسيتي حق لعائلتي” مطالبين بمساواة المرأة الأردنية مع الرجل عن طريق المطالبة بإجراء تعديلات دستورية وتشريعية، تكفل حق المرأة الأردنية المتزوجة من أجنبي في منح الجنسية لزوجها وأطفالها.
تعديلات غير كافية
إزاء هذه المطالبات من المجتمع المدني والدولي وجمعيات حقوق الإنسان قام الأردن بإجراء تعديلات على قانون الجنسية تهدف إلى تخفيف القيود المفروضة للاعتراف بأطفال النساء الأردنيات من غير المواطنين من خلال التعليم العام، الرعاية الصحية الحكومية، الملكية، الاستثمار، والحصول على رخصة قيادة. كما وضع قرار مجلس الوزراء بطاقة هوية أردنية خاصة للأطفال غير المواطنين من النساء الأردنيات. وقد اعتبرت الهيئات الدولية أنها تدابير جزئية لمنح أبناء المواطنات بعض المزايا والحقوق بينما تابعت حرمانهم من الجنسية.
وقد وجدت جميع الهيئات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، ولجنة الأمم المتحدة المعنية.
بالقضاء على التمييز ضد المرأة، ولجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن قانون الجنسية الأردني تمييزي بطبيعته. ودعت لجنة حقوق الطفل الأردن إلى مراجعة القانون وتعديله “من أجل ضمان حق الأم الأردنية المتزوجة من رجل غير أردني في نقل جنسيتها إلى أطفالها على قدم المساواة ودون تمييز”.