سحب هويات أهل القدس، سلاح قديم جديد تستخدمه إسرائيل لاستهداف الوجود الفلسطيني في القدس
دأبت إسرائيل ومنذ احتلالها لمدينة القدس، بشقيها الغربي عام 1948م والشرقي حزيران عام 1967م، على تهجير أهلها منها والنيل من الوجود الفلسطيني والعربي فيها، عن طريق سن العديد من التشريعات الهادفة لإنهاء الوجود الفلسطيني فيها، والعمل على تغيير الوضع الديمغرافي لصالح اليهود، ومن هذه القوانين والأنظمة:
قانون العودة لسنة 1950:
أقرته الكنيست في 5 تموز 1950م، وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي. وقد خضع هذا القانون لتعديلين لاحقين: أحدهما تم في آب 1954، وثانيهما في آذار 1970؛ وهو قانون يفتح الباب على مصراعيه لهجرة اليهود، ومنحهم المواطنة بشكل فوري؛ وفي عام 1970 عُدل ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم؛ وفي المقابل يحرم الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وحقهم في المواطنة في أماكن ولدوا فيها، وعاشوا بها أبًا عن جد.
قانون الجنسية “المواطنة” لسنة 1952:
أقر من قبل الكنيست في 1 نيسان 1952م، وأصبح ساري المفعول في 14 أيلول 1953. وقد خضع هذا القانون لتعديلين لاحقين: أحدهما عام 2008، والثاني عام 2011. ويفصِّل قانون الجنسية لعام 1952 التشريعات الخاصة بمسائل الهجرة، وينص على حق اليهود بالقدوم إلى إسرائيل (موطن أسلافهم المزعوم)، وعلى التكفل بتسهيل هجرتهم. وتنص المادة 2/أ من قانون الجنسية الإسرائيلي على أن كل مهاجر، بحسب قانون العودة، سيصبح مواطنًا إسرائيليًا كنتيجة مباشرة (للعودة). وتنص المادة 14/أ على أن اليهود الذين يحصلون على الجنسية الإسرائيلية لا يتوجب عليهم التخلص من جنسياتهم الأصلية؛ بينما نجد أن المادة (3) من القانون عينه تحرم الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين قبل العام 1948 من حقهم في الحصول على الجنسية أو الإقامة في إسرائيل بناءً الشروط التي صممت خصيصًا لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة.
قانون الدخول إلى إسرائيل لسنة 1952:
هو القانون الذي يحكم الدخول إلى إسرائيل لغير المواطنين في الدولة، هذا القانون يمنح معاملة تفضيلية للـ”عوليه”، (أي الشخص اليهودي المهاجر إلى إسرائيل بموجب قانون العودة)، إذ يتيح لهؤلاء التمتع بأحقية ووضعية الدخول، كما لو كانوا مواطنين في الدولة؛ في الوقت الذي تمنح فيه تأشيرة ال (عوليه) لليهودي الأجنبي في سبيل الدخول إلى إسرائيل، إذ تخوله حق التمتع بوضع يتساوى فيه في العديد من الحقوق التي يمارسها (المواطنون).
ليس لل”عوليه” (المهاجر الجديد بحسب هذا القانون) حق التصويت والترشح لانتخابات البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أو الحصول على جواز سفر إسرائيلي؛ لكن له أن يصبح مواطناً بشكل تلقائي، وفقاً لما ينص عليه قانون المواطنة في هذا الشأن.ويعتبر هذا القانون الفلسطينيين مقيمين، مثلهم مثل الأجانب القادمين من الخارج للعمل فيها؛ حيث أصبح القانون مرجعًا لوزارة الداخلية الإسرائيلية.
وفي عام 1974 أدخلت سلطات الاحتلال تعديلًا على القانون، بموجبه أعطي وزير الداخلية صلاحية إلغاء الإقامة عن أي شخص. وتنص المادة (11) من قانون الجنسية على إلغاء المواطنة “بسبب خيانة الأمانة، أو عدم الولاء للدولة”.
وفي سياق أوسع، تشمل “خيانة الأمانة” كل من يحصل على الإقامة الدائمة في واحدة من تسع دول عربية وإسلامية (المُدرجة في القانون، إضافة إلى قطاع غزة)، دون الحاجة لتوافر مسوغات جنائية. ويمنح هذا القانون للمحاكم حقًا بإسقاط الجنسية الإسرائيلية عن المدانين بالتجسس والخيانة ومساعدة العدو في وقت الحرب، وأعمال الإرهاب على النحو المحدد بموجب “قانون حظر تمويل الإرهاب 2005″، إذا ما طلبت وزارة الداخلية منها القيام بذلك كجزء من عقوبة جنائية. يمكن الغاء جنسية إنسان فقط في حال كونه صاحب جنسية مزدوجة أو إذا كان يسكن خارج إسرائيل.
القرار 88/282 الخاص بمركز الحياة الصادر عام 1988. وبدأت سلطات الاحتلال بتطبيقه عام 1995، حيث أضيف معيار جديد لسحب الهويات، يتمثل فيما سمي “مركز الحياة” الذي يكتنفه الكثير من الغموض في التعريف؛ إذ يقضي بسحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات.
قانون ضم القدس في 27 حزيران 1967:
صادقت الكنيست الإسرائيلية على قانون ضم القدس في مخالفة فاضحة للمادة 47 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحرم ضم الأراضي المحتلة؛ وفي عام 1968، صدر قرار الشؤون القانونية والإدارية (التعديل رقم 11) ليستكمل قانون العام 1967 الذي أرسى الأرضية القانونية لسريان القانون الإداري الإسرائيلي على القدس الشرقية؛ وفي 30 تموز 1980 أصدرت الحكومة الإسرائيلية القانون الأساس الذي يعتبر القدس عاصمة إسرائيل.
قرار الحكومة الإسرائيلية رقم 1813 في أيار 2002:
اتخذت الحكومة الإسرائيلية القرار رقم 1813 بشأن معالجة قضايا المقيمين غير القانونيين في إسرائيل، وصادقت عليه الكنيست عام 2003. ويهدف هذا القرار إلى ايقاف منح “لم الشمل” لعائلات أحد أفرادها من أصل فلسطيني؛ وتزامن هذا القرار مع بناء جدار الفصل العنصري.
القانون الخاص بالبطاقة الممغنطة (البيومترية) الصادر عام 2009:
وأقرته الكنيست عام 2012 وطبقته وزارة الداخلية عام 2013؛ ويأتي هذا القانون في سياق سياسة الترانسفيرالتي تنتهجها إسرائيل ضد سكان القدس؛ فمن خلال هذه البطاقة الذكية يمكن لسلطات الاحتلال استعراض كافة المعلومات عن أصحابها وملامح وجوههم وبصماتهم وأماكن إقامتهم وديونهم وغير ذلك. ومن خلالها يمكن تحديد طبيعة وعدد تنقلات أصحابها وأماكن إقامتهم؛ وبالتالي حصر الموجودين داخل القدس، وأولئك الذين يحملون هوية القدس ويسكنون خارجها؛ كمقدمة لسحب هوياتهم وطردهم من القدس.
قانون منع التسلل رقم 1650 في 13 نيسان 2010:
دخل حيز التنفيذ قانون منع التسلل رقم 1650 (التعديل رقم 2)؛ ويشمل المقدسيين المحرومين من حق الإقامة؛ لكنهم يعيشون في القدس؛ حيث يعتبرهم القانون “متسللين”؛ ما يعرضهم لدفع الغرامات والسجن لغاية 7 سنوات.
القانون الخاص بسحب هوية المقدسيين الذين يمارسون أعمال المقاومة ضد إسرائيل 07/03/2018:
وهو قانون صيغ بشكل فضفاض دون تحديد؛ إذ لم يقيّد معاقبة سحب الجنسية على من يرتكبون أعمال مقاومة الاحتلال فحسب؛ بل عدّ عدم الولاء لدولة الاحتلال سببًا لسحب الجنسية؛ وترك الأمر لتقديرات وزير الداخلية؛ الأمر الذي يجعل أي مواطن مقدسي في دائرة التهديد بإسقاط كل حقوقه في المواطنة؛ وفقط لكونه فلسطينيا؛ ما يعد انتهاكًا صريحًا وفاضحًا لاتفاقية جنيف الرابعة، التي أكدت على أنه “يحظر نقل الأفراد أو الجماعات قسراً، وكذلك ترحيلهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو أراضي أي بلد آخر، بصرف النظر عن دوافعهم.
وقد وفرت هذه القوانين العنصرية لدولة الاحتلالالأرضية القانونية لسحب هويات المقدسين تحت مظلة القضاء الإسرائيلي، ومن أهم الأسباب التي استخدمتها سلطات الاحتلال لسحب هويات المقدسيين:
- إلغاء حق الإقامة للأشخاص الذين يقطنون في ضواحي القدس الواقعة خارج حدود البلدية، وفي المحافظات المجاورة، وكذلك الذين يقيمون خارج فلسطين.
- سحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة، بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات على الأقل.
- سحب هوية المقدسي إذا حصل على الإقامة الدائمة في تلك الدولة.
- سحب هوية المقدسي اذا حصل جنسية دولة أخرى.
- سحب هوية المقدسي لأسباب أمنية.
وحسب “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” في كتاب القدس السنوي في آب 2020، لا زالت البيانات عن مصادرة وإلغاء بطاقات الهوية المقدسية تستند بشكل أساسي على ما يتم الإعلان عنه رسميًا من خلال وزارة الداخلية الإسرائيلية، والتي تشير إلى مصادرة 14,650 بطاقة في الفترة ما بين 1967 وحتى 2020 (جزء من هذا الرقم يمثل هويات أرباب الأسر)؛ وهذا يعني سحب هوية الأفراد المسجلين ضمن هوية رب الأسرة بشكل تلقائي؛ وعليه فان عدد الأفراد الذين تم سحب هوياتهم أعلى من هذا الرقم بكثير.
وخلال الهبة الجماهيرية الأخيرة في حي الشيخ جراح وسلوان والبلدة القديمة في القدس، استدعت القوات الإسرائيلية آلاف المواطنين مهددة إياهم بسحب هوياتهم وطردهم خارج أسوار القدس، وعمدت على طرد العديدين إلى مدينة رام الله المجاورة، ومن المتوقع خلال الفترة القادمة أن تتصاعد حدة عمليات سحب الهويات خاصة من سكان حي سلوان الذي تعمل إسرائيل على اخلاءه من سكانه بكافة الوسائل.
يتطلب هذا الأمر بعد صمت طويل من المجتمع الدولي التحرك لوقف هذه الاجراءات والعمل على السماح للمقدسيين العودة إلى مدينتهم وبيوتهم، وهذا الملف من الخطورة بمكان قدرته على تفجير الوضع في القدس بل في الشرق الأوسط بأكمله، وهذا ما شهدنا لمحة منه خلال الأحداث الأخيرة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، وما تبعه من اندلاع الحرب مع قطاع غزة والهبة الجماهيرية غير المسبوقة في أراضي العام 1948م وأراضي الضفة الغربية.