سلطنة عُمان؛ حكم سلطاني شمولي وغياب للحقوق السياسية للمواطنين
تقديم؛ تحكُم سلطنة عُمان مَلَكية شمولية، والسلطان هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وكذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبالمقارنة مع الملوك الآخرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتمتع سُلطان عُمان بموقع قوي فريدٍ من نوعه، فهو غير مرتهن إلى القيود التي يواجهها الملوك ممن نفذوا الإصلاحات الموجّهة نحو الديمقراطية – كما هو الحال في المغرب أو الأردن – كما أنه غير مُقيد بعائلةٍ ملكية قوية سياسيًا مثلما هو الحال في ممالك الخليج الأخرى. والسلطان لا يتشارك السلطة مع أحد، إلا أنه يسعى للحصول على مشورة من برلمان يُعرَف باسم مجلس عُمان، وهو يتألف من مجلسين هما مجلس الشورى، وهو الهيئة التشريعية الوحيدة في البلاد ويُنتَخَب جميع أعضائه البالغ عددهم 86 انتخاباً ديمقراطياً لتمثيل المحافظات العمانية الإحدى عشرة (تسمّى ولايات). أمّا المجلس الثاني فهو مجلس الدولة ويتألف من 83 عضواً يُعيّنون جميعاً من قِبَل السلطان. يجتمع المجلس بناءً على طلب السلطان ويتخذ قراراته بشأن القضايا التي يطرحها السلطان بأغلبية الأصوات، لكنه لا يتمتع بصلاحيات سن القوانين. ولدى عُمان دستور يُسمّى القانون الأساسي، الذي أدخله السلطان قابوس وأصدره في عام 1996، وهو يوفر إطارًا قانونيًا وحُرّيات مدنية مُحسّنة، من خلال ضمان المساواة والرعاية الطبيّة والتعليم والتسامح الديني.
تصور سلطنة عُمان على أنها واحة للسلام الداخلي وغياب الاضطرابات السياسية فيها، ولكن هذه الادعاءات مبالغ فيها، فعلى مدى العقد الماضي، واجه النظام العُماني حدثين رئيسيين من أحداث الاحتجاج تمثّلا في الاحتجاجات المتّصلة بالربيع العربي في عام 2011 واحتجاجات البطالة في عامي 2018 و2019. وفي الاحتجاجات المتّصلة بالربيع العربي، كان من بين الجهات الفاعلة المشاركة عُمّال الصناعة في صحار الذين سعوا إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية، ومثقفين في مسقط طلبوا من السلطان الانفتاح السياسي (مثل مجلس منتخب يتمتع بسلطاتٍ تشريعية أوسع، وعزل المسؤولين الفاسدين) والمتظاهرين المتعلّمين من أبناء الطبقة العاملة في جميع أنحاء البلاد، الذين أرادوا التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وفي احتجاجات عامَي 2018 -2019، شملت الجهات الفاعلة المشاركة في الاحتجاج الشباب العاطلين عن العمل والخريجين الجُدد في مدن مثل مسقط وصور وصلالة، ممن احتجوا على معدلات البطالة المرتفعة وإجراءات التقشف وطالبوا بالإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك المزيد من الوظائف في القطاع العام. وفي كِلتا الواقعتين، سعت الجهات الفاعلة المعنية إلى الإصلاح الاقتصادي والسياسي. غير أن أياً من تلك الجهود لم يسع إلى زعزعة استقرار النظام. ونتيجة لذلك، كان رد فعل النظام محسوباً بدقة، إذ مُنِحت بعض التنازلات لتهدئة بعض المتظاهرين، واستُخدم القمع لضمان قبول المتظاهرين غير الراضين بالتنازلات تجنباً للتصعيد.
ولدى المجتمع المدني في عُمان القليل من السلطة. وهو يتكوّن بصورةٍ أساسية من مجموعات أسستها الحكومة أو تخضع لسلطتها؛ ولا يمكنها معارضة الحكومة علانيةً، وبالتالي لا يمكنها إحداث تغيير كبير في المجال العام. وتشمل هذه المجموعات جمعية المرأة العمانية، والجمعية العمانية للخدمات البترولية، والجمعيات المهنية (على سبيل المثال، جمعية الاطباء والمهندسين). ومع ذلك، هناك مجموعات صغيرة وما تزال في طور النمو من الشباب العمانيين المتعلّمين تأسست منذ عام 2007 وتسعى للتأثير على المجال العام من خلال النشاط عبر الإنترنت في مواضيع من قبيل الحاجة إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد تكتسب هذه المجموعات في نهاية المطاف قوة جذب أوسع وتُمثّل تحدياً أكبر للنظام مما تمثّله الصّيغُ الحالية للمجتمع المدني.
ونشطت قوات السلطة من جهاز الأمن الداخلي (ISS) في سلطنة عُمان في استهداف الناشطين المؤيدين للإصلاح لانتقادهم الحكومة العمانية على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد انتفاضة الربيع العربي في 2011، شددت عمان القيود على حرية التعبير في البلاد. وأصبح الكثير من الناشطين يواجهون مضايقات وتهديدات بتهم جنائية غامضة لنشاطاتهم التي تعتبر إهانة للسلطان أو للبلاد. ويتم اعتقال المدونين والناشطين على الانترنت واحتجازهم لسنوات عدة لانتقادهم السياسات التي تتبعها السلطات. وتقوم المحاكم العمانية بمحاكمة الناشطين بالسجن بناءً على قوانين غامضة تقمع حرية التعبير. في 14 يناير 2018، أصدرت عمان قانون عقوبات منقح يزيد من العقوبة على انتهاك القوانين التي تقمع حرية التعبير. تم رفع عقوبة ارتكاب القدح والتشهير ضد السلطان من 6 أشهر في السجن إلى 3-7 سنوات في السجن بموجب المادة 97. وجعلت هذه القوانين من الصعوبة بمكان على من يحاول نقد الحكومة فعل شيء، فهو أمام أحكام قضائية تعسفية تحرمه من ابداء رأيه وتجرم حرية التعبير والمطالبة بالحقوق الأساسية.
ولم يتغير الحال بعد تولي السلطان الجديد هيثم بن طارق زمام حكم السلطنة، وركز على توفير وظائف حكومية بدلًا من العمل على إعطاء حقوق سياسية وتشريعية حقيقية للمواطنين العمانيين، وفي تصريح لافت لوزير الخارجية العماني السابق يوسف بن علوي، قال فيه: إن البلاد قد تشهد ربيعًا ثانيًا حال عدم اكتراث السلطان العماني بتقديم تنازلات سياسية لصالح المواطنين، وحال حدوث ذلك الربيع من الصعب تعديل مساره