التقارير

غرف الملح مقابر للمعتقلين في سجون النظام السوري

قبل نقل المعتقل عبدو (اسم غير حقيقي) من السجن إلى المحكمة أحد أيام شتاء 2017، دفعه أحد الحراس داخل غرفة لم يرها من قبل، فإذ بقدميه الحافيتين تغوصان في كميات من الملح الصخري. لم يكن عبدو قد ذاق طعم الملح قبل عامين منذ دخوله سجن صيدنايا سيئ الصيت قرب دمشق، الذي يمنع القيمون عليه الملح في طعام السجناء، فما كان منه إلا أن اغترف بيده كمية من الملح الذي يغطي الغرفة، واستمتع بمذاقه.
بعد دقائق قليلة، تجمد رعبا عندما تعثر بجثة نحيلة ملقاة على الملح وإلى جانبها جثتان أخريان. ويروي للمنظمة العالمية لحقوق الإنسان التجربة “الأكثر رعبا” في حياته في سجن يصفه معتقلون سابقون بـ “القبر” و”معسكر الموت” و”السرطان”.
لم يتحرك عبدو من مكانه لنحو ساعة ونصف الساعة، ويضيف “كان هذا أصعب ما رأيته في صيدنايا جراء الشعور الذي عشته، ظنًا بأن عمري انتهى هنا”.
ويصف عبدو الغرفة المستطيلة، 6 أمتار بالعرض و7 أو 8 بالطول، بأن أحد جدرانها من الحديد الأسود يتوسطه باب حديدي. تقع الغرفة في الطابق الأول من المبنى المعروف بالأحمر، وهو عبارة عن قسم مركزي تتفرع منه 3 أجنحة.
لم يتنفس عبدو الصعداء سوى حين عاد السجان، ووضعه في سيارة نقل السجناء، وتأكد أنه في طريقه إلى المحكمة.
وتوثق رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا -في تقرير ستنشره قريبًا للمرة الأولى- “غرف الملح”، وهي بمثابة قاعات لحفظ الجثث داخل السجن بدأ استخدامها مع ارتفاع أعداد الموتى خلال سنوات النزاع الذي اندلع عام 2011.
ولكون سجن صيدنايا يخلو من برادات لحفظ جثث المعتقلين الذين يسقطون بشكل شبه يومي فيه، جراء التعذيب أو ظروف الاعتقال السيئة، لجأت إدارة السجن إلى الملح الذي يؤخر عملية التحلل.
وبناء على تقرير الرابطة ومقابلات أجريناها مع معتقلين سابقين، تبين أن في سجن صيدنايا العسكري “غرفتي ملح” على الأقل، توضع فيهما الجثث حتى يحين وقت نقلها، في حين يغيب الملح تمامًا عن كميات الطعام القليلة التي يحظى بها المعتقلون، على الأرجح لإضعافهم جسديًا.
إن هذه المعاملة لجثث المعتقلين والأسرى يمثل تمثيلًا في جثث الموتى وانتهاك لكرامتهم ولابد من معاقبة القائمين عليه والعمل على منع هذه الإجراءات المجردة من الإنسانية ومن تكرارها، كما أن توفر الشهادات الحية المتمثلة بمن تمكن من الخروج حيًا من سجون النظام السوري يمثل قاعدة يمكن الاستناد عليها لمحاكمة النظام جنائيًا ومعاقبة الجناة ومنعهم من الإفلات من العقاب.

Related Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى