قوننة الفصل بين أبناء العائلات الفلسطينية مفصل من مفاصل الأبارتهايد الذي تسلكه سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
في العام 2003 سنّت إسرائيل قانون المواطنة والدّخول إلى إسرائيل كـ “أمر ساعة” ومنذ ذلك الوقت يتمّ تمديده كلّ سنة. يجسد هذا القانون سعي نظام الأبارتهايد إلى الحفاظ على التفوّق اليهوديّ في كامل المنطقة الواقعة تحت سيطرته – من النهر إلى البحر. اليهود في جميع أنحاء العالم وأحفادهم وأزواجهم يمكنهم الهجرة إلى إسرائيل – بما في ذلك المستوطنات – والحصول على مواطنة إسرائيليّة. أما الفلسطينيون فالواقع بالنسبة لهم مختلف إذ لا يمكنهم، بشكل عام، الانتقال للسكن في منطقة تحت السيطرة الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، قسّم النظام الأراضي الواقعة تحت سيطرته إلى وحدات يحصل الفلسطينيّون في كلّ منها على حقوق مختلفة وجميعها حقوق منقوصة مقارنة بجُملة الحقوق المكفولة لليهود. إمكانيّة انتقال الفلسطينيّين بين الوحدات المختلفة محدودة وتتطلّب تصريحاً من إسرائيل تخضع معايير إصداره وفق ما يرتئيه الموظّفون المسؤولون، بصورة حصرية تماماً.
فالفلسطينيّون سكّان الضفة الغربيّة وسكّان غزّة المتزوّجون من مواطنين إسرائيليّين أو مقيمين في شرقيّ القدس لا يمكنهم الحصول على مكانة قانونية دائمة في إسرائيل (سوى في حالات استثنائيّة جدّاً). في أحسن الأحوال يمكن للنساء فوق سنّ 25 عاماً والرّجال فوق سنّ 35 عاماً أن يحصلوا من الإدارة المدنيّة على تصريح مكوث مؤقت، إذا ارتأى وزير الدّاخليّة ذلك تبعاً لاعتباراته هو. ولا تتيح هذه التصاريح نمط حياة معقولاً لأنّها لا تمنح حاملها أية حقوق اجتماعيّة، ناهيك عن إمكانية إلغائها في أيّة لحظة.
ونستحضر هنا شهادة لزوجين من الضفة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، المعروفة بإسرائيل.
نزهة وأنس، في العام 2018 تزوّج أنس عفّانة (24 عاماً) من نُزهة. هو من سكّان صور باهر في شرقيّ القدس ويحمل بطاقة هويّة إسرائيليّة ونُزهة (22 عاماً) من سكّان عناتا وتحمل بطاقة هُويّة من السّلطة الفلسطينيّة.
في يوم الأربعاء الموافق 29.6.22 نحو السّاعة 22:00، حين كان أنس ونزهة في طريقهما إلى محل لبيع الحلوى في بيت صفافا ومعهما ابنتاهما يقين (سنة ونصف) وسادين (شهر واحد) أوقفهما عناصر شرطة. عندما تبيّن للعناصر أنّ نزهة من سكّان الضفة الغربيّة ولا تحمل تصريحاً يسمح بمكوثها داخل إسرائيل أبلغوها بأنّها موقوفة وأمروها بأن تدخل إلى مركبة الشرطة. احتجّ أنس وحاجج العناصر حتى سمحوا له بأن يدخل هو إلى مركبة الشرطة عوضاً عن نزهة، لكنّهم منعوها من الاعتناء بطفلتيها.
بعد أن وصل أحد أفراد الأسرة لكي يأخذ الطفلتين اقتاد عناصر الشرطة أنس ونزهة إلى محطّة الشرطة حيث جرى التحقيق معهما. خلال التحقيق مع أنس، في دُجى الليل، أنزل العناصر نزهة عند “حاجز 300” جنوبيّ القدس وتركوها هناك وحدها. هاتفت نزهة أخاها فجاء بعد مضيّ نصف ساعة وكذلك جاء أحد الأقارب وجلب معه ابنتيها ومن ثمّ عادت معهما إلى منزل والديها في عناتا الواقعة شماليّ القدس.
وتقول نزهة منذ أن تزوّجت، في العام 2018، وأنا أتعذّب بسبب سياسات إسرائيل. عشت في منزلي كأنّني داخل سجن لأنّني لا أحمل تصريحاً وأخشى الخروج من المنزل وحدي دون أنس. لم أجرؤ يوماً على استخدام المواصلات العامّة داخل القدس. كلّما احتجت الوُصول إلى العيادة الطبية في صور باهر كنت أنتظر في المنزل حتى يأتي أنس ويأخذني. عندما حان موعد ولادتي حصلت على تصريح ليوم واحد للوُصول إلى المستشفى فقط. رغم أنّني أقمت في القدس لم أستطع حتى زيارة يافا والبحر وهو على بُعد نحو ساعة فقط، لأنّني خشيت أن يعتقلوني ويطردوني. وها قد حصل ذلك.
إن هذه القوانين التي تمثل في جوهرها أبارتهايد يمزق صفوف المجتمع الفلسطيني ولا يسمح بالتواصل الاجتماعي والإنساني بين أبناء المجتمع الواحد يجب أن يوصم بالعنصرية والعمل على اسقاطه عبر المجتمع الحقوقي الدولي، ومحاسبة السلطات الإسرائيلية على تغولها على حقوق الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت احتلالها منذ العام 1948.
ونطالب المجتمع الدولي التعامل بإنصاف مع حقوق الشعب الفلسطيني والعمل على انهاء الاحتلال باعتباره رأس كل الشرور والنظر للقضية الفلسطينية على قدم المساواة مع القضايا التي انتفض لها المجتمع الغربي كقضية أوكرانيا.