مئات الآلاف من المفقودين العراقيين ينتظر أهاليهم نبش مئات المقابر للتأكد من مصيرهم.
يعتاد العراقيون المشهد، فتراب البلاد من شمالها إلى جنوبها مليء بعدد كبير من المقابر الجماعية التي حفرت خلال الحروب المتتالية منذ الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ومرحلة حكم نظام صدام حسين، وصولا إلى فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
ففوق أرضٍ زراعيةٍ مترامية على أطراف مدينة النجف في جنوب العراق محاذية لمشروع سكني، أمضت فرق الطب العدلي أيامًا طويلة في الحفر، بهدوء، لاستخراج عظام ضحايا قتلوا قبل أكثر من 30 عاما على يد نظام الرئيس الأسبق صدام حسين.
وبين فترة وأخرى يُفتح بعضها، مما يمنح بارقة أمل لآلاف العائلات التي لا تزال تجهل مصير أبنائها. فالعراق واحد من الدول التي تضم أكبر عدد من المفقودين، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
فتح المقابر الجماعية؛
لكن مهمة فتح المقابر والتعرف على الضحايا مكلفة ومعقدة تقنيًا وتتطلب وقتًا طويلًا، وسط أجواء مناخية قاسية تعقّد عملية حفظ العظام. كما أنها عملية تحتاج تمويلًا لا تؤمنه الحكومة، وأحيانًا، قرارًا سياسيًا في بلد تنتشر فيه الطائفية بقوة.
وعادة ما تبدأ رحلة التعرف على جثث الضحايا والمفقودين بفحص نقطة دم صغيرة تؤخذ من ذوي القتلى وتوضع على قماشة بيضاء ملصقة على ورقة خطّ عليها اسم المفقود واسم قريبه، من أجل مطابقتها مع عينة من الجثث التي يقوم باستخراجها فريق آخر من الطب العدلي. وتقوم العائلات بملأ ورقة ببيانات متعلقة بالمفقود مثل عمره، شكله، تاريخ الاختفاء، مكان الاختفاء، تاريخ آخر مشاهدة، ظروف الاختفاء.
وتعرقل المركزية الكبيرة في فحص الحمض النووي المهمة أيضا، ففي حين لا تقتصر المقابر الجماعية على منطقة واحدة في البلد الشاسع، يتم فحص عينات عظام الضحايا ودمّ ذويهم في بغداد فقط.
ويصرح مدير دائرة الطب العدلي زيد علي في مقابلة مع منظمتنا في فبراير/شباط، إنَّ الدائرة تفتقر كذلك إلى “المبالغ الكافية لشراء المواد المستعملة في إجراء الفحص”، رغم أنها مزودة بتقنيات حديثة.
وبدورنا نطالب الحكومة العراقية العمل بصورة ناجعة على هذا الموضوع، خاصة أنه يكاد يمس كل عائلة عراقية، فعدد المفقودين يتجاوز مئات الآلاف، وهذه القضايا تترك العائلات بجرح مفتوح لا يندمل إلا بمعرفة مصير ابن العائلة المفقود.
ونرى أن من الحقوق الدنيا الإنسانية أنَّ يعرف مصير الشخص المفقود، سواء كان مسجونًا أو مقتولًا، وندعو جميع الأطراف العراقية أن تتعاون بهذا الشأن باعتباره قضية إنسانية كبرى تؤرق المجتمع العراقي برمته.