هدم بيوت الفلسطينيين؛ السياسة المفُضّلة لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي.
هدم البيوت كعقاب جماعيّ هو إحدى أكثر الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية منذ بداية الاحتلال وحتى الآن (كذلك في قطاع غزّة حتى العام 2005)؛ في إطار هذه السياسة هدمت إسرائيل مئات البيوت وأبقت بذلك آلاف الفلسطينيين بلا مأوى.
وسياسة هدم البيوت أعدّت بحُكم تعريفها لإيذاء أشخاص لم يفعلوا شيئًا ولم يُشتبه بهم بفعل شيء؛ فقط لكونهم أقرباء فلسطينيّين مارسوا حق المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي معظم الحالات لا يسكن الشخص الذي جرى هدم البيت بجريرة أفعاله مع الأسرة أصلاً في وقت الهدم، إمّا لأنّ قوات الأمن قامت بقتله أثناء العملية التي نفّذها وإمّا لأنّه اعتُقل على يد إسرائيل وينتظر عقابًا بالسجن لمدّة طويلة.
وهدم البيوت هو إجراء إداري يُطبّق دون محاكمة ودون الحاجة إلى إظهار أدلّة أيًّا كانت وذلك استنادًا إلى المادّة 119 من تعليمات الدفاع (أوقات الطوارئ) التي أصدرها الانتداب البريطاني عام 1945، بعد تسليم أمر الهدم للأسرة يمكنها تقديم اعتراض أمام القائد العسكري خلال 48 ساعة، وفي قرار لمحكمة العدل العليا من العام 1989، حكمت المحكمة أنّه عند رفض الاعتراض يجب إتاحة الفرصة أمام العائلة لتقدّم التماسًا لمحكمة العدل العليا، قبل تنفيذ الهدم.
ولكن رغم أنّ محكمة العدل العليا هي التي حكمت بأنّه ينبغي تمكين العائلات من التوجّه إليها لكي تنظر في أمر الهدم، يبدو أنّ ذلك قرار الحُكم المذكور كان مجرّد إجراء شكليّ وتقنيّ لا غير وأنّه كان يهدف إلى خلق وهْم يوحي بأنّها تحرص على حقّ الاستئناف المحفوظ لأصحاب البيت. على مرّ السنين تمّ تقديم عشرات الالتماسات ضدّ هدم البيوت وطُرحت فيها حجج مبدئية تطعن في قانونيّة هذه الوسيلة، وحجج تداولية تطعن في طريقة تطبيقها، وحجج ضدّ استخدامها في حالات عينيّة، ولكنّ محكمة العدل العليا رفضت تلك الالتماسات على نحوٍ جارف سوى القليل منها وبعض قضاة قدّموا رأي الأقلية في قرار الحُكم. وقد تم نتيجة لهذه السياسة هدم أكثر من 11 ألفا و900 بيت، وتهجير قرابة 73 ألف فلسطيني منذ عام 1967 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
ولكونها كذلك تشكّل هذه السياسة عقابًا جماعيًّا ممنوع بوصفه انتهاك لمبادئ القانون الدولي التي تُلزم إسرائيل، ولا نتحدّث هنا عن مبدأ قانون دوليّ معقّد أو نظريّ، وإنما عن قاعدة أخلاقية-إنسانية أساسية: ممنوع مطلقًا المسّ بأبرياء لا ذنب لهم بجريرة خطأ ارتكبه آخر وهذا منصوص عليه في ميثاق جنيف (لا يعاقَب شخص محميّ على أمر لم يفعله شخصيًّا؛ العقاب الجماعي وجميع وسائل التهديد والإرهاب ممنوعة؛ النهب ممنوع؛ الردّ بالانتقام من أشخاص محميّين وممتلكاتهم ممنوع).
وتدّعي قوات الاحتلال الإسرائيلية أنّ هدم البيوت أعدّ “لردع” الفلسطينيّين الآخرين عن تنفيذ عمليّات بأنفسهم؛ ويفترض هذا الادّعاء أنّ أذيّة أقرباء الفلسطينيّ الذي نفّذ عمليّة أو المشتبه به في تنفيذ عمليّة ستردع الفلسطينيين عن تنفيذ عمليّات خوفًا على عائلاتهم من الأذيّة، وهذا يصنف ضمن التنبؤ اللاأخلاقي والافتراض المفضي لتشريع إيذاء الآخرين بلا سبب حقيقي، وهذا ديدن الاحتلال في التلاعب في التشريعات والقوانين لتتناسب مع تشريع جرائمها ضد الفلسطينيين واعتبار ذلك ضمن إطار القانون.
ونرى في منظمتنا أنّ الأثر الرادع لهدم البيوت -على فرض وجوده -لا يكفي لجعل هدم البيوت فعلاً أخلاقيًّا أو قانونيًّا، هذا الهدم يشكّل مسًّا بالأبرياء بهدف تحقيق غاية لا صلة لهم بها، ومعناه أنّ السلطات تتعامل معهم كوسائل وليس كأشخاص مستقلّين لهم حقوق، إنّها سياسة لا أخلاقيّة وغير قانونيّة في جوهرها. وأكثر من ذلك: لم تعرض الدولة أبدًا معطيات تثبت أنّ هدم البيوت يردع الفلسطينيين عن تنفيذ العمليّات بل ولم يطلب منها أحد نشر معطيات كهذه. في غياب ما يثبت نجاعة هذه الوسيلة المتطرّفة والمؤذية ينعدم مبرّر الأداتيّة الذي يغطّيها ظاهريًّا منذ البداية، في مقابل ذلك هناك شواهد على عكس ذلك، تثبت أنّ هدم البيوت بالتحديد يزيد من دوافع الفلسطينيين لتنفيذ العمليّات المقاومة للاحتلال.